بلغ السيلُ الزُبى، فهلاّ نبدأ!

د. كليب كليب

حتى لو تجاوزنا تعاليم الديانات والشرائع وتناسينا قوانين جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة ومبدأ “تنزيه” السلطة في فلسفة كمال جنبلاط، فهناك حدٌ أدنى من القيم والفضائل والأخلاق على المسؤول أن يتحلّى بها.

ومع قناعتنا بأن خصال الفروسية والشرف والكرم والإباء والنبل والشهامة والحكمة والأريحية، والتي كانت من مستلزمات الزعامة فيما مضى، لم تعد موجودة في قاموس معظم الساسة في زماننا، إلاّ أنّ هناك حدٌ أدنى من مواصفات القيادة التي يجب أن تتوفّر في المسؤول لا يجوز النزول تحتها.

إنّ الإنحطاط الحاصل في مستوى أداء بعض النخب السياسية في لبنان هو المشكلة المركزية التي باتت تُشكّل خطراً حقيقياً يُهدّد وجود لبنان كوطن وككيان ووحدة النسيج الاجتماعي فيه. أمّا ما نراه في الإدارة وفي المجتمع من مظاهر فساد وسمسرة وإنتهازية وخفض نفس وإرتهان للخارج فما هي إلاّ مشكلات مشتقة عن المشكلة السياسية الأم وعن إنهيار نظام القيم في الممارسة السياسية. فالفساد (مثلاً) يولد على المستوى السياسي وينمو بعد ذلك في الإدارة ثم ينتشر كالفطر في المجتمع (إنتشار دائري). كما أنّ العلاقة بين مظاهر خراب المجتمع هذه جدلية ووطيدة، فالإرتباط بين الفساد والإرتهان للخارج أكيد والعلاقة بين خفض النفس والإنتهازية لا لُبس فيها.

من المؤكد أنّ في لبنان العديد من القيادات الوطنية التي تتمتع بمعظم صفات القيادة الشجاعة والحكيمة.

ومن المؤكد أنّ مؤسسات الدولة والمؤسسات السياسية ومنها الأحزاب مليئة بالكوادر الكفوءة والعناصر النظيفة والشفافة.

لكن المؤكد أيضاً أنّ خطر مظاهر الخراب السابقة الذكر بات يتهدّد مؤسسات الدولة والأحزاب نفسها ووجود الوطن ذاته يشهد على ذلك إنعدام ثقة الناس بمؤسسات الدولة وتراجع فاعلية الأحزاب السياسية في المجتمع وفي الحياة العامة إلى حدٍ كبير.

لذا، فنحن بأمس الحاجة إلى ثورةٍ من فوق تبدأ بعزل البيئات الحاضنة لعوامل خراب الدولة والمجتمع وتعقيم المؤسسات والأحزاب السياسية في آن واحد. وتتمثّل الخطوة الأولى بإقصاء المسؤولين الفاسدين والمُفسدين من مواقع القرار، ففي ذلك تجديدٌ للحياة السياسية دون أن نكون بحاجة لدور وسائل الإعلام.

لقد بلغ السيل الزُبى وآخر العلاج الكيّ، فهلاّ بدأنا.

(الأنباء)