رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

وهيب فياض

“أخي وإبن أخي،

أربعة عشر عاماً مرت على إنتقالي مغدوراً، من عالمكم إلى العالم الآخر، المليء بالحرية والاشتياق.

صحيحٌ أنني مرتاح، بعد أن تحرّرت من قيود الجسد وجوارحه، ولكنني لا زلت أشتاق إلى أجزاء من جسدي كانت وفية لما في عقلي وقلبي من أفكار وعشق للقضية.

إشتقت إلى كتفيّ اللذان حملا قضية فلسطين لأكثر من نصف قرن، وإلى يداي تحملان البندقية وغصن الزيتون بدون تعب، وإلى جرأة لساني على فضح المؤامرات والخيانات والاغتيالات، وترداد ثوابت القضية، لتصبح مسلمات، مشفوعة بعبارتي الشهيرة شاء من شاء وأبى من أبى.

وإشتقت إلى قدماي تحملانني إلى أقاصي الأرض دفاعاً عن فلسطين، وحتى إلى أماكن لم أكن لأطأها مختاراً، ولكن الضرورات تبيح المحظورات، وها أنا اليوم أحلّق حراً بجناح يحملني فوق فلسطين، كل فلسطين من البحر إلى النهر.

أما إشتياقي الحقيقي، فلثلة من المناضلين الشرفاء المؤمنين بفلسطين وعروبتها وقداسة تحريرها، وهؤلاء من لم أستطع أن أتحرر من محبتي لهم واشتياقي إلى أيام كنت أتقاسم معهم حلو إنتصاراتها ومرارة هزائمها، وكانوا الرجال الرجال بكل معنى الكلمة في الملمات والأحداث الجسام، وأنت يا أبا تيمور في مقدمتهم.

أشتاق إلى وقفتي بجانبك في إحتفال السادس عشر من آذار في عاليه، والأعلام تتعانق لتعلن مدى عمق العلاقة بينك وبين فلسطين وأشتاق إلى وقفتك بجانبي أيام كان الوقوف إنتحاراً، وحتى آخر يوم أقلعت فيه البواخر من مرفأ بيروت معلنة إنتهاء حقبة، وإبتداء زمن آخر.

أيها الصديق المناضل الشريف،

يا من رفضت بإباء وكرامة كل ما يمس فلسطين وثورتها، ومخيمات أبنائها المنتشرة على تراب لبنان، وفاءً منك لوالدك أولا ولعروبتك ثانياً، ولثورة الحق التي صنتها بأهداب العيون.

أخي وإبن أخي،

يوم كان والدك المعلم الشهيد، رفيق نضال، كنت أعتقد أن سمة الإيمان بقضية فلسطين المتجذرة في وجدانه، ناتجة عن عمق فهمه لعروبته وتاريخ نضاله الطويل في الزمن الجميل، زمن الحلم العربي، ولكنني بعد استشهاده، واستكمال المسيرة معك، أدركت أن في جينات عائلتك وحزبك وعشيرتك، صفة وراثية إسمها الإيمان بفلسطين والوفاء لها سواء كان الزمن جميلاً كما كان، أو قبيحاً كما هو اليوم، وأن إرث هذا الإيمان ينتقل بالوراثة معمداً بالتعب والدم وثبات الموقف مهما غلا الثمن!

أخي أبا تيمور،

أعلم أنك شارفت على التقاعد من كثير من مهامك، وأنك تترك الملعب بخطى بطيئة، غير آسف على ألاعيب السياسة، لأنك أعطيت السياسة أكثر مما أعطتك وأخلصت لها أكثر مما أخلصت لك، وأن الغصة تعتصر قلبك بعد إنكسار أحلام جيلك، ولكنك رغم ذلك لم تفقد أو تكسر مجذافي سفينتك، وهما الإيمان والأمل، فاودعتهما في يدي نجلك الشاب للعبور إلى غد أفضل.

ولو كنت معك عندما البست إبنك تيمور كوفية فلسطين، لوضعت لمساتي على ثنيتها عند الجبين، الملازمة لصورتي وأنا ألبسها، فليس أحق منك ومنه بهذه الميزة لتذكر الناس بصلابة نضالنا المشترك.

أخي وإبن أخي،

إعلم أن أحكام الإعدام السياسي والجسدي، هي أعلى وأغلى وأرفع النياشين التي تعلق على صدور المناضلين الصادقين، سواء نجح من أصدروا الأحكام في تنفيذها أو فشلوا، فهم رغماً عنهم يخلدون من أصدروا الأحكام بحقهم، وهذا حالي، وحال عمر المختار وسلطان باشا الأطرش، ووالدك، وربما أنت عند كل محاولة إغتيال تعرضت لها، وكذلك حال أبو جهاد وأبو إياد ورفاقهما، وشهداء ثورة الأرز التي أجهضها مفهوم الاكتفاء بنصف ثورة فسقطت جنيناً غير مكتمل.

أخي وليد،

أعرف أن حسك الإنساني، تجاه الفلسطينيين، وتحسين شروط عيشهم في منفاهم القسري، كان حافزك يوم طرحت مع الشهيد رفيق الحريري مشروع القريعة، فرُميت بتهمة التوطين، فإذا بمن رموك بها يجعلون اللبنانيين على شفير الحاجة إلى وطن.

إن هديتي المتواضعة لك، على يد إبن جيلي أبو مازن، بمنحك الجنسية الفلسطينية مع أحد أبرز مظهري موقفك من الثورة الفلسطينية، ما هي إلا ورقة تحتضن حفنة من تراب فلسطين، لتنثرها حبة حبة على رؤوس من ناديتهم يوم الباس كوفية فلسطين لنجلك تيمور، فاجتمعوا في باحات المختارة، ليحمل كل منهم حبة من هذا التراب على راْسه، ذخيرة فوق الجباه تقدس أيقونات إيمانهم بقضية، أتمنى، كما والدك من قبلي، أن أقتل ألف ألف مرة من أجلها، فأموتُ شهيداً شهيداً شهيداً.

أخوكم ياسر عرفات”.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!

خيارات المختارة وتحالفاتها: قراءة هادئة!