«حماس» × «فتح» = إسرائيل «فتح» + «حماس» = فلسطين

عزت صافي (الحياة)

يوم الثلثاء الماضي (22 أيار/مايو 2018) نزل في تاريخ فلسطين حدث «مهم». فوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قدم إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي طلب إجراء تحقيق فوري وكامل في جرائم الحرب التي يرتكبها مسؤولون إسرائيليون في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كان الوزير المالكي أمضى ساعة مع المدعية العامة في المحكمة «فاتو بنسودا» عرض خلالها جرائم الحرب وجرائم الفصل العنصري التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ثم خرج ليعلن للصحافة العالمية: «اليوم اتخذت دولة فلسطين خطوة مهمة، وتاريخية، على طريق تحقيق العدالة لأبناء شعبها الذين عانوا، وما زالوا يعانون، الظلم والجرائم السابقة والمستمرة، منذ عقود، وآخرها استهداف المتظاهرين العزّل في قطاع غزّة.

كلام مهم وإن يكن من محاضر ومستحضرات تاريخ النكبة الأولى بإعلان دولة إسرائيل، وبعدها كارثة الهزيمة العربية عام 1948، وصولاً إلى إعلان القدس عاصمة إسرائيل في هذا العام 2018.

قبل سبعين عاماً وُلد الكيان الصهيوني في قلب فلسطين بقرار رئيس أميركي ديموقراطي يُدعى هاري ترومان، وأخيراً جاء رئيس أميركي جمهوري يدعى دونالد ترامب وأعلن القدس عاصمة إسرائيل.

سبعون سنة ومحنة فلسطين تكبر، وشعبها يتوزع على جميع أنحاء العالم، والبلاغات، والخطب، والتصريحات العربية الرسمية تُنشر ولا تُقرأ، والتفاصيل مؤلمة، على ما فيها من كوارث، وآخرها «مسيرة العودة» انطلاقاً من غزة.

كانت «حركة حماس» حشدت جماهير القطاع في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي خلف الشريط الشائك المحصن بالألغام وبالدشم الإسمنتية، وكانت عدة المسيرة بسيطة وخفيفة: حجر المقلاع، وقنابل دخانية لحجب الرؤية تسهيلاً للعبور إلى الأرض المحتلة في الجانب الآخر من القطاع المنكوب بالعزلة، والحصار، والفقر، والبطالة، والمرض، واليأس.

رجال، ونساء، وأولاد، ومعاقون على دراجاتهم المتحركة دفعاً بالأيدي حاولوا اختراق الخط الذي يتحصن خلفه العدو المحتل فكانت الحصيلة أكثر من مئة شهيد، وآلاف الجرحى الذين غصّت بهم مستشفيات ومستوصفات تفتقر في حالات الهدوء إلى أدنى مستلزمات الطبابة والدواء.

كان واضحاً في ذلك اليوم الدرامي في غزة أن «حركة حماس» كانت وحدها في مواجهة الجيش الإسرائيلي. أي أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في «رام الله» لم تحرك ساكناً على حدودها مع الاحتلال للتخفيف، على الأقل، من فظاعة العدو انتقاماً من «الحركة». لكن الرأي العام العربي، عموماً، والمنظمات الفلسطينية، خصوصاً، تعلم أن قرارات «الحركة» تأتي في إحدى أسوأ المراحل التي تعيشها فلسطين، وحال قطاع غزة أصعبها، وفي هذا الوقت كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس على سرير المرض في «المستشفى الاستشاري العربي» في ضاحية «رام الله» يتلقى «وجبة الدواء» مع نشرة الأخبار عن بطولات شعب «غزة» الذي يقاوم باللحم الحي نيران جهنم العدو الإسرائيلي، وكان الأطباء والممرضون والممرضات في المستشفى يمنعون عن الأب الكبير الحنون، المريض بعلة فلسطين، مشاهد الموت الفلسطيني في جهنم نتانياهو.

جاء مرض «أبو مازن» مع نكبة «غزة» في العشر الأخير من شهر أيار (مايو) الماضي يوم «مسيرة العودة» باتجاه قوات الاحتلال على خط الحصار المحصن بالشريط الشائك، وبالدشم الإسمنتية الملغمة، وخلفها أفواج المدرعات، ومرابض المدفعية، وفوقها الطائرات الحربية، وفي المقابل أفواج فتوّة مزوّدة بالمقلاع وبقاذفات قنابل دخانية، وكانت الحصيلة نحو مئة شهيد فلسطيني، وأكثر من ثلاثمئة جريح، ولا مستشفيات، ولا مستوصفات، ولا علاجات إلا بالحد الأدنى من المسكنات…

منذ اندلاع الحرب في سورية، وعليها، قبل ثمان سنوات، كان هناك سؤال كبير ظلّ غائباً عن التفاصيل اليومية للأحداث الدامية والدمار الشامل، وهو: أين إسرائيل؟

ولقد كانت إسرائيل، وما تزال، في منطقة المراقبة على حرب تدمير سورية، وكأنها على الحياد، وكان لها من الضمانات الدولية ما يكفيها من الجبهتين: جبهة دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، وجبهة روسيا، ضامنة قرار النظام في دمشق، من جهة أخرى، وهو أصلاً بات خارج الحسابات والمعادلات في إستراتيجيات المنطقة، فقد أعفته القيادة الروسية من لازمة التحذير الدائم للعدو الإسرائيلي من مغبّة التحرّش على جبهة الجولان المحتل.

في القاموس السياسي العربي هناك دائماً لازمة «المؤامرة»، وقد غابت هذه الكلمة عن مسار الثورة السورية منذ انفجارها العفوي في حرم ثانوية مدينة «درعا» جنوب دمشق، حيث خرجت صفوف فتوّة الطلبة وراحت تكتب صرخاتها بالحرية على جدران الشوارع والساحات العامة، وكانت أمثولة تونس التي أسقطت حكم «زين العابدين بن علي» قد تحولت نداء للثورة على أنظمة الطغيان.

لكن بعد ثماني سنوات فرضت النتائج الكارثية، خصوصاً في سورية، وفي فلسطين، وقفة ونظرة تطلّع إلى الوراء على ما طوت الحرب من أجيال فتوّة، ومدن، وأرزاق، وأحلام، ذهبت في عواصف الدول «العظمى» وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي جاءت بدونالد ترامب، ومعه القدس هدية لإسرائيل.

القدس، الآن، هي القضية، وغزة، من جديد، هي الضحية، و»حماس» تبدو وحدها في المواجهة، فيما الدول العربية منهمكة بأوضاعها، وليس لها من دور إلا السعي إلى قرار منصف يصدر عن مجلس الأمن الدولي الذي نادراً ما أنصف العرب، وخصوصاً الفلسطينيين.

لكن العلة الفلسطينية ليست دائماً من العدو الإسرائيلي حصرياً. هي أيضاً موجودة في بعض أفراد وأركان العائلة الواحدة المنقسمة بين «رام الله» و «غزة». فمنذ الطلقة الأولى على كيان العدو، في الداخل، أو في الخارج، كان هناك رأيان، على الأقل. لكن كانت «القضية» تعلو فوق كل رأي، أو مسار. ولا ينسى المواطنون في الدول العربية التي تستضيف الجبهات الفلسطينية كم من الضحايا سقط في منازعات الأخوة على السلطة وعلى النفوذ، وعلى الصلاحيات وما يتبعها من «مخصصات»، سواء كانت لقضية عامة، أو لجهة نافذة.

ولا ينسى العرب عموماً، والفلسطينيون خصوصاً، ما جرى قبل سنوات قليلة بين «دويلة رام الله» و «دويلة غزة» في زمن المغفور له «أبو عمار» أو في زمن «أبو مازن» محمود عباس. فهل يتذكر الفلسطينيون، في الأرض المحتلة وفي أقطار الشتات، ماذا جرى بين «فتح» و «حماس» في سنوات العقد الأول من القرن الحالي؟ وهل يتذكرون «المصالحة» التي جرت بين أقطاب الجبهتين في القاهرة في 12 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت 2017، أي بعد 11 سنة من القطيعة والتقاتل بين الأخوة في العائلة الواحدة؟.. كل الفصائل والمنظمات، قيادات، وجماعات، وكتلاً، وأحزاباً، هلّلت وباركت الحدث؟ فكم دامت فرحة الاتفاق والمصالحة؟ أسابيع قليلة، وتبخّرت العواطف والمجاملات، و «عادت حليمة إلى عاداتها القديمة»!

«فتح» – «حماس» عنوان وحدة في زمن قصير، وعنوان نزاع وقطيعة في زمن طويل، وتقضي الحقيقة والواقع بالإيضاح أن «حماس» هي في غالب المراحل والظروف، المبادِرة إلى الخلاف والنزاع، وهذا ما حصل فعلاً بعد المصالحة التي رتبتها وأنجزتها القاهرة في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2013، إذ لم تدم أكثر من سنتين مع كثير من الجهود لاستمرارها حتى أواخر السنة الماضية لتعود النزاعات إلى معدلاتها السابقة، وتعود «دويلة غزة» إلى التمترس في قطاعها المحاصر، وتبقى «دويلة رام الله» على قاعدتها، وعينها على غزة، وقلبها معها.

ومع ذلك تظل «فلسطين» العنوان الجامع وإن اختلف الأهل والأخوة على التفاصيل. ففي عملية حسابية بسيطة تظهر النتيجة واضحة لا تقبل النقاش:

[«حماس» × «فتح» = إسرائيل]

[«فتح» + «حماس» = فلسطين]

وقد يكون من المفيد استذكار التاريخ غير البعيد، فعام 1996 من القرن الماضي كانت معركة الرئاسة الأميركية تدور بين جورج بوش الجمهوري وبيل كلينتون الديموقراطي. وفاز كلينتون.

وفي الوقت عينه كانت معركة رئاسة دولة إسرائيل تدور بين بنيامين نتانياهو وشيمون بيريز، وكانت المقاومة الفلسطينية في الداخل ناشطة، وفاز نتانياهو. وبعد 22 سنة، حتى اليوم، تزداد قضية فلسطين تعقيداً وخطور ة على كانت عليه.

فهل تعيد «حماس» حساباتها مع «فتح» على قاعدة أن فلسطين وشعبها أهم من «دويلة غزة» ومن دويلة «رام الله»؟!

شفى الله الرئيس محمود عباس ليتابع مسيرة النضال والشهادة لاسترجاع ما قسمته المنظمة الدولية للشعب الفلسطيني من أرض وحقوق في وطنه قبل سبعين عاماً، وقد مضت أجيال ذلك الزمن، ولم يبق منها سوى كهول وذكريات كفاح، وبطولات تستمر كخميرة مباركة تغذي أجيالاً ما تزال تطمح إلى تحقيق أحلام من عاشوا وقضوا وفي ضميرهم فلسطين… هذا حق وواجب مقدس ما دام على الأرض طفل فلسطيني يشهق نفس الولادة، وعجوز يشهق نفس الوداع.

اقرأ أيضاً بقلم عزت صافي (الحياة)

العهد اللبناني «الجديد» لم يبدأ بعد

وثيقة برنامج رئاسي لبناني للاطلاع

جمهورية سوريّة ديموقراطية تولد في الخارج

لبنان «الطائف» على شبر ماء

فلسطين الثالثة في عالم عربي آخر

هـل أخطأ سعد الحريري؟

الديموقراطية على الطريقة اللبنانية

«حماس» ترمي نكبة غزة في ساحة رام الله والمهمة الأولى إعادة الإعمار

رؤساء الجمهورية اللبنانية وعلاقاتهم بفرنسا منذ الاستقلال

بوتين «القيصر» غير المتوّج على … سورية!

لبنان: لكل عاصمة وَفدٌ … و «دولة» وخطاب!

ما بين جمهورية ماكرون وجمهورية ديغول

هل بدأ ترسيم سورية «المفيدة لإسرائيل» ؟

صيف لبنان من دون عرب… ووعود السياسيين المتوارثة لا تتحقق

أي دور لإيران في المنطقة بعد تغيّـر كل شيء في سورية ؟

كمال جنبلاط مُستعاداً في مئويته

الجزائري حين يكون ناخباً فرنسياً

ترامب على أبواب القدس وعباس على باب البيت الأبيض!

سبعون سنة تحت الحكم العسكري: أي معجزة يمكن أن تنقذ سورية؟

«قنبلة الإسكوا» تكشف موقف المنظمة الدولية من فلسطين