ألمانيا والعلاقة المضطربة مع ترامب: نحو الشرق أم الغرب؟

سليم رضوان

أنباء الشباب

منذ عام تقريباً والمستشارة الالمانية أنجيل ميركل تشدد على ضرورة اعتماد اوروبا على ذاتها، بعد ان بات من الصعب الاعتماد على الولايات المتحدة الاميركية أقرب حلفائها التاريخيين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو مطلب كررته امام البرلمان الالماني اذ قالت: “على اوروبا ان تأخذ مصيرها بيدها بقوة أكثر من ذي قبل”. المانيا هي الاخرى يتعين عليها اخذ مصيرها بيدها بنظر ميركل في ظل تقلبات غير مسبوقة تشهدها العلاقة الاميركية الالمانية، والسبب هو تضارب المصالح مع رئيس شعاره اميركا اولاً.

الخلافات بدأت في قمة “الناتو” حيث طلب ترامب من اعضائه بزيادة نفقاتها العسكرية لتبلغ حاجز 2% من اجمالي الناتج المحلي لهذه الدول، ولكن هذا الهدف ليس سهل المنال في بلد يعارض فيه الرأي العام زيادة الانفاق العسكري.

نقطة الخلاف الثانية تكمن في المجال التجاري حيث تتمتع البضائع الالمانية بسمعة جيدة في السوق الاميركية مما جعل فائض التبادل التجاري بين البلدين يميل لصالح المانيا بفائض بلغ 50 مليار يورو، وهو ما انتقده ترامب اكثر من مرة وجعله يلوح بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الصلب والالمينيوم.

الخلاف الرئيسي الثالث يكمن في قرار ترامب في الانسحاب من الاتفاق النووي الايراني وهو ما يجعل الشركات الاوروبية العاملة في ايران في مرمى العقوبات الاميركية.

الخلاف الرابع هو حول الغاز الروسي اذ استثمرت شركات المانية خاصة مليار يورو لربط انبوب ثانٍ بطول 1200 كم لتصدير الغاز الروسي الى المانيا، لكن ترامب لوّح بافشال المشروع قائلا: “ان المانيا تدر مليارات الدولارات على روسيا، هذا ليس جيداً”، فالرئيس الاميركي حريص على الاقتصاد الاميركي الذي يشهد ارتفاعاً لم يسبق له مثيل منذ 2011 والذي يشجع الشركات والمستثمرين على الاستثمار في الولايات المتحدة الاميركية.

ان التهميش الواضح من قبل ترامب لمستشارة المانيا حيث يتجنب مصافحتها او اخذ صورة تذكارية معها، ومن ناحية اخرى اقترابه من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يعطي انطباعاً لدى الاوروبيين ان ترامب لا يريد ان تكون امرأة هي اقوى شخصية سياسية في العالم بشخص انجلا ميركل. من ناحية اخرى، المانيا لديها القوى الاكبر اقتصاديا وسكانيا فهي قلب الاتحاد الاوروبي وعلاقتها جيدة مع روسيا، وبالتحديد علاقة الطاقة من خلال انابيب الغاز الممتدة من روسيا الى المانيا ولكن المؤسسة العسكرية الاميركية تنظر الى هذه العلاقة نظرة فيها نوع من الشك، خاصة ان هناك علاقة متوترة الى حد كبير بين المستشارة ميركل والرئيس ترامب، ولكن الى الآن لا احد يرى ان المانيا قد تخرج من التناغم الاميركي والاوروبي العسكري القائم حتى هذه اللحظة.

من ناحية اخرى، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المستشارة الالمانية ميركل بباقة ورد وابتسامة عريضة ومصافحة قوية في اول لقاء لهم في هذا العام في مقر اقامته في سوتشي. ولا احد يعرف بوتين اكثر من ميركل والعكس صحيح فهم يعرفان بعضهم البعض على الساحة الدولية من 2005 ولكن علاقتهما مثقلة بملفات شائكة عديدة ابرزها العلاقة الروسية الالمانية المتوترة منذ 2014 بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وهو ما اعتبرته المانيا زعزعة للاستقرار الاوروبي ودفع ميركل الى دعم العقوبات الاوروبية المفروضة على روسيا.

الملف الثاني هو الحرب في سوريا، فبرلين متمسكة بتسريع مرحلة الانتقال السياسي في البلاد تحت غطاء الامم المتحدة، وقضية تسليم الجاسوس الروسي السابق سكريبال وتداعيتها الدبلوماسية بين البلدين لا تزال هي الاخرى تخيم على الاجواء.

وبعد لقاء مغلق دام اكثر من ساعة اتفقت ميركل مع بوتين على ضرورة استئناف عملية السلام في اوكرانيا وارسال بعثة اممية لشرق اوكرانيا. اما في الملف السوري حثت ميركل بوتين للضغط على حليفه بشار الاسد لمنع مصادرة حقوق اللاجئين بما بات يعرف بمرسوم رقم (1). ومن جانبه، طالب بوتين الدول الاوروبية بالمساعدة في اعادة اعمار سورية لتسهيل عودة اللاجئين دون شروط مسبقة.

ويبدو ان سياسة ترامب قربت وجهات النظر الالمانية الروسية خاصة بما يتعلق بمواجهة الضغط الاميركي لتقييد التجارة العالمية وايضا المعارض لانابيب الغاز الروسية المصدرة نحو المانية. قاسم مشترك آخر هو هاجس انقاذ الاتفاق النووي مع ايران قبل انهياره بسبب انسحاب الولايات المتحدة الاميركية منه. بدورها، شددت ميركل على مصلحة المانية الاستراتجية في الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا.

فهل ستتخلى اوروبا عن الحليف الدائم الاميركي، ام الحلم الاميركي لم يعد واقعاً.

(أنباء الشباب، الأنباء)