جنبلاط: هذا ما تعنيه صورة الأستاذ والبيك والأفندي

منير الربيع (المدن)

نشر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط صورة على تويتر تجمعه بالرئيس نبيه بري والرئيسين الراحلين رشيد كرامي وسليمان فرنجية، داعياً إلى التمعّن جيّداً في الصورة. هي إحدى الرسائل التي يتقن جنبلاط فنّ إيصالها. وما تعنيه تلك التغريدة، هو أن الأوضاع في ظل العهد الحالي قد تحتاج إلى ما يشبه انتفاضة 7 شباط، للإطاحة باتفاق 17 أيار. أن يدعو جنبلاط إلى التمعّن في الصورة، يعني أن الرسالة يجب أن تكون أقسى. ومفادها أن هناك تحالفاً جديداً قد ينشأ على الساحة اللبنانية بمواجهة ثنائية التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل. أركان هذا التحالف هم، إلى جانب الاشتراكي، تيار المردة وحركة أمل. هذا الثلاثي الذي يلتقي على التمسك باتفاق الطائف، والحفاظ على البيوتات السياسية التارخية التي تستشف محاولات لإلغائها. وهذه الجبهة قابلة للتوسع. فهناك تقارب مع القوات اللبنانية التي تواجه حرب الإلغاء السياسية أيضاً. فيما الأبواب ستكون مفتوحة أمام نواب آخرين، لمواجهة الإلغاء والتهميش.

هي جبهة تجديد حكم البكاوات في وجه سلطة المنقلبين على الطائف. في الصورة، بيك وأستاذ وأفندي. وهذه الثلاثية ثمة حرص لدى الثلاثي على المحافظة عليها وعلى أدوارها. كما أنها تمثّل رسالة ذات بعد أوسع، وكأنها تشير إلى تبني ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وتشكيل كتلة ضاغطة في سبيل حشر الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل.

كل هذا التقارب ينجم عن تقارب الحريري من باسيل، وابتعاده من بري جنبلاط. المسألة هنا لا تتعلق بتزكية انتخاب بري لرئاسة المجلس، والتي قد يسير فيها التيار الوطني الحر أيضاً، فيما الأساس سيكون على ما بعد هذه الاستحقاقات، إلى مرحلة تشكيل الحكومة وما بعدها. لم تعد العلاقة بين جنبلاط والحريري إلى سابق عهدها. لم تصل المساعي الأخيرة إلى عقد لقاء بينهما، فيما تستمر المساعي لعقد اللقاء قبل تسمية الحريري لتشكيل الحكومة. ومن المتوقع أن يتفق الرجلان على هذا المبدأ رغم أن جنبلاط بعد زيارته بري في عين التينة اعتبر أن الكلام عن تسمية رئيس الحكومة مؤجلة حالياً.

قال ذلك لأنه ينتظر لقاءه مع الحريري لبلورة اتفاق سياسي جديد بينهما. لذلك، لجأ إلى رفع السقف بهدوء. كان جنبلاط يعارض انتخاب إيلي الفرزلي لمنصب نائب رئيس مجلس النواب، لكنه أجرى استدارة بعد لقائه بري، واصفاً إياها بأنها تأتي استجابة لرغبة رئيس المجلس وبحكم العلاقة الشخصية التي تربطه به. وقد استخدم عبارة أن الانتخابات أصبحت خلفنا والمسألة أكبر من الأسماء. هي خطوة أراد جنبلاط منها تأكيد القول بالفعل لجهة تقاربه مع بري وتعزيز التحالف معه. لعلّها تعيد إليه الحريري، الذي لا يريد مراكمة الخسائر، وتجميع مزيد من الكتل ضده.

لا يزال جنبلاط محافظاً على هدوئه، ويتخذ مواقفه على قاعدة الدوزنة بين الجميع. وهو يعتبر أنه لا بد من إنطلاقة جديدة بعد الانتخابات لدعم العهد، ولكن بشرط عدم إلغاء أي طرف. أما في حال استشفّ أي طرف محاولة لإلغائه أو لتهميشه، فإن ذلك سيقود إلى مواقف تؤدي إلى قلب الطاولة. يتعرّض جنبلاط لاستفزازات كثيرة، أراد الردّ عليها على طريقته، بسلسلة تغريدات تنتقد بعض المحسوبيات والمخططات الجهنمية، كما وصفها. ما أراد أن يقوله عبر هذه التغريدات، هو أن منطق الثنائية لا يزال مستفحلاً لدى المستقبل والتيار. وهذا إذا ما استمر سيؤدي إلى مشكلة كبيرة في البلد، أولها طعن اتفاق الطائف، أو الالتفاف عليه بشكل عملي غير علني.

ما قبل الانتخابات لن يكون كما بعدها بالنسبة إلى جنبلاط. فهو قدّم كل أساليب التسهيل لولادة التحالفات أو لخوض الانتخابات. وهناك تقديرات تشير إلى أن المعركة الانتخابية لو أديرت على أساس سياسي بالنسبة إلى حلفاء جنبلاط، لما كان خسر نائبين من كتلته، كما أن الأطراف الأخرى كانت عززت مواقعها. وفيما كان الرجل قد ترك مقعداً شاغراً لطلال ارسلان في عاليه مكّنه من الفوز، فعلى ما يبدو أن هذه المكرمات ستذهب أدراج الرياح بعد الانتخابات، إذ إن جنبلاط الذي كرّس نفسه زعيماً للدروز، لن يتخلى عن أي مقعد درزي كما لن يعاود السماح بالعمل بمنطق المكرمات.