التحديات الإقتصادية المقبلة/ بقلم د. وليد أبو خير

أما بعد؛
ماذا بعد الإنتخابات النيابية؟

ما هو إنعكاسات نتائجها على دورة الإقتصاد المحلي؟…

وغيرها من المحاور التي قد تشكّل تحدياتٍ بوجه الحضور النيابي القادم، حول طبيعة إقتصاد البلاد المقبلة ونمطيته.

أظهرت التحالفات في مرحلة التحضير للإنتخابات النيابية زيفها حين أوقعت المراقبون وكذلك المواطنون في حيرة، لما إعتراها من شوائب وتزلّف وتملّق ومهادنات ما بعدها العظيم. فهذه التحالفات بتناقضاتها من حيث الإصطفافات والرؤى والإستراتيجيات بالفكر والمعتقدات، كما والأهداف المتغايرة..، إنما جمعت النقائض في لوائح إنتخابية واحدة وغير موحّدة، في ظل غياب برامج سياسية وإنمائية وإجتماعية للمرشحين أنفسهم من خلال التسابق كلٍ نحو الصوت التفضيلي. لا بدّ لها وبعد إنحلال هذا العصف، أن يستفيق هؤلاء من هذا السبات الإنتخابي ليجد البعض منهم أنهم خاسرون حتى ولو ربحوا.

وهنا، ما يوجب التساؤل حول مدى إستكمال هذه التحالفات ما بعد الإنتخابات، وما ترمي بضلالها على الواقع الإقتصادي والإجتماعي من خلال كيفية تدوير الزوايا للخروج بتشكيلة حكومية يتوزّع فيها الثقل المحاصصي على الأطراف عبر وزاراتها.

فهل سينجح ممن تحالفوا إنتخابيًا، أن يتحالفوا في توزيع الحقائب الوزارية، أم أنهم سيقعون في شرك أخطائهم؟

موضوعيًا، لعلّه من المبكر التكهّن للمشهد المقبل بصورة جليّة، لكن بالوقت عينه لا مندوحة من القول أنه ليس من المبكر أن نلتمس كمُشاهدين ومن خلال هذه التموضعات العشوائية أننا مقبلون على صراع حول ما يسمى حقائب سيادية، وحقائب درجة أولى، وأخرى درجة ثانية..، مما قد يضيع معها الإلتفات ناحية الوضع الإقتصادي.

وعليه، ما يحتّم طرح مسائل عدّة، منها التالية:

1) على ماذا سيُبنى الإقتصاد اللبناني للمرحلة القادمة؟ وكيف ستكون البنية السياسية الإقتصادية التي تدعم هيكلة البناء الإقتصادي هذا؟

2) هل ستبقى مداميك البناء قائمة على توزيع المقاعد في الإقتصاد على مقاسات المقاعد الطائفية؟

3) هل سيُستكمل منهج الإعتراف بالمناقصات دونما دفاتر شروط، وعلى قاعدة التراضي حيثما تتوافق والمصالح الطائفية؟

4) وما هو وضع الموازنة التي أُقرّت على عجل وفي غضون يومين قبيل الإنتخابات، وما سيكون أثرها على الواقع الإقتصادي المقبل، مصحوبةً بعجزٍ متوقع قدره 4.8 مليار دولار؟

5) هل سنشهد إعتمار “العقل التجاري” على رؤوس الساسة المتجدّدين في حكومتنا، وما مدى تأثيراته على عقل الساسة الجدد؟؟

حقيقة الأمر، أن موازنة العام الحالي قد أقرّت في ظل عدم ثقة المواطنين بسياسة البلاد، كما وفي ظل تفاقم منطق الفساد المالي والإداري على السواء، وإنعكاس ذلك على الحال الإقتصادي. فالموازنة بمضمونها لا تعكس طموحات شريحة واسعة من الشعب اللبناني، وبالتالي لا تعبّر عن كونها خطة إقتصادية على المديَين المتوسط والطويل تقود الإقتصاد الوطني إلى بر الأمان، وهذا ما سيؤثر على عاملي أزمة حقيقية تتمثلان في: خفض الإنفاق من جهة، وزيادة الواردات من جهة مقابلة. ذلك أنه من الواضح أن الموازنة الحالية لا تتعدى من كونها أرقام تفتقر إلى رؤية إقتصادية وإجتماعية وكذلك إصلاحية. وبكلمة أكثر واقعية “غياب للتخطيط المالي”.

فأين الرابط الموضوعي والربط الحسابي بينها وبين الإصلاحات الإقتصادية، والتي نُقلت على نحوٍ مشوّه إلى مؤتمر “سيدر 1″، في الزعم: أنه جرت إصلاحات إقتصادية. وهنا غياب المصداقية لعناصر عديدة منها الوفاء بإلتزامات لبنان أمام الجهات المانحة للقروض في دعمهم القطاعات الإقتصادية والإنمائية له. وهذه بحسبنا عقبة أمام النواب الجدد لما يحتاجونه من بياناتٍ مالية شفافة ونظيفة تعبّر عن خطة طريق إيفائية تكون عامل إقتناع لتلك الجهات المانحة في عملية الإصلاح الإقتصادي المنوي لبنان إتباعها!.

6) ماذا حول بلوكات الثروة النفطية، هل ستكون في خدمة البلوكات المذهبية، أم في خدمة المستثمرين الرأسماليين الطارئين وشركائهم؟


ففي حين يهلّل اللبنانيون فرحًا بهذه الثروة النفطية التي بعثتها الطبيعة كمكافأة لهم على ما تحملوه من سنين حروبٍ أثقلت كاهلهم. كما زادتهم من مكْناتٍ معنوية في أن يصبح لبنانهم ضمن نادي البلاد النفطية. فيجمع في ذلك بين البلد الخِدمي الريعي من جهة أولى وبين البلد النفطي من جهة ثانية، ليكتسب مزايا عديدة على رغم صغر مساحته الجغرافية. بالمقابل يهلّل بعض الساسة بحجم إنتصاراتهم الإنتخابية كلٍ بحسب منظاره، تمهيدًا لطرح أحجامهم أثقالًا وأوزانًا عبثية أمام التشكيلة الوزارية.

ففي ظل الظاهرة النفطية التي ينعم بها لبنان، وما يرافقها من دورٍ إستثماريٍ للشركات العابرة للقارات لما يتّصف به لبنان من كونه نظام رأسمالي ليبرالي حر يشجع تلك الشركات ورؤوس الأموال على دخول الساحة الإستثمارية دون إستئذان وبمساحة قدراتها على إرتباطها بعقود تضامنية مع جهاتٍ سياسية والتي تتعدّى التنافسية المشروعة لتشكّل واقعتين:

الأولى: توافقية إستثمارية فيما بين الشركات التي تنوي دخول السوق في تقسيمها فيما بينها فتحفظ حصة من تتنازل بسماحتها عن دخولها السوق.

والثانية: توافقية سياسية فيما بين الجهات السياسية وحظوة كل شركة لجهة منهم. وفي هذا إكتمال لعقد الشراكات المقنّعة.
يحدو قولنا في تقاسم المصالح الإقتصادية في لبنان، كونها تنبثق من سابقة شهدنا فصولها المريرة من خلال الأسباب وإستخلاص النتائج مذ زمن الحرب اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي. حيث لا مشاحة من القول أنها بتكوينها كانت حربًا لتحقيق مكاسب نفعية سياسية لغالبية أطرافها، والتي ترتبط بغايات تحقيق المكاسب النفعية الإقتصادية. فقد إتخذت هذه الحرب أشكالًا متعدّدة منها الدينية بتشعباتها الطوائفية والمذهبية، ومنها السياسية في خطوات لإثبات الحضور…ألخ، لتنتهي إلى ما يتحقق من أسباب إقتصادية. وهذا لا ينفي إسقاط التهم لتدخّل الأيادي الخفية الخارجية في مساندة الأطراف الداخلية، حيث التهم الكبرى تقع على هذه الإرادات الشخصانية الداخلية والتي إحتلت النسبة الأعلى في مسببات تلك الحرب. فالعقل اللبناني ليس على قصورٍ وقِصَرٍ في التحليل ليصادق على شعارات: أنها حرب الآخرين على أرضنا، فيصدّقه.

وإستنادًا إلى تجربة حرب السبعينيات حيث لا تزال حاضرة في أذهان اللبنانيين في كيفية تركّز وتوزيع الحصص السياسية ليصار بعدها إلى تركّز وتوزيع الحصص الإقتصادية. وما مرحلة قبل الإنتخابات لا تبتعد بالشبه لزمن الحرب

7) القطاع الكهربائي؟
هل ستشهد المرحلة المقبلة لهذا القطاع أن يبقى خاضعًا للسيطرة السياسية المتحكّمة بمقدراته، وبالتالي يبقى مقيدًا بقرار سياسي، بحيث لا يُسمح لهذا القطاع من حرية الحركة لأن ينتظم كمرفق إقتصادي إجتماعي حيوي يبدأ من هيكلة الإنتاج، ثم بيعها للمواطن، ومن ثم ترشيد تحصيل العائدات وجبايتها.

8) الدين العام وخدمته، والإرتفاع الهائل الذي سيتخطى مع نهاية هذا العام عتبة 155 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي GDP. وهذا ما سيبرز تحديًا أمام المجلس القادم لأن يعمل على تفعيل دورة النمو الإقتصادي بمعدّل 5 إلى 7 بالمئة لكبح جماح المديونية العامة والتي لا شك من أنها ستطرق باب ال 90 مليار دولار.

9) ماذا ستحمل معها التغيرات الإقليمية والدولية من تأثيرات على واقعية ومجريات الإقتصاد المحلي.

ليست هذه المسائل هي كلها، وإقتصاد لبنان لا يقف عندها وحدها، ذلك أن بلد كلبنان ميزته في تنوّع الطاقات الفكرية لأبنائه وما تختزنه من إبداعات على الصعد الإستثمارية والإقتصادية العامرة، ما ترفع من نسبة المخاطر فيما لم تقترن بإكتشاف منافذ تصريف تمثلها وتعمل عليها الطبقة السياسية التي لا بد وأن تكون هي الحاضنة لها، من خلال وعلى سبيل المثال لا الحصر: الحوكمة للتشريعات لمشاكل البطالة في الوسط الشبابي اللبناني، وترشيد العمالة الأجنبية..، وغيرها من أساسيات التركّز الإقتصادي والإجتماعي.

من خلال هذه الوقائع، التصوّر أن ما بعد الإنتخابات إقتصاديًا هي كما قبلها؟ مع بارقة أملٍ في تطعيم المجلس النيابي بعناصر جدد عسى أن تحمل في بنات أفكارها توجهات تغييرية نحو حقبة إقتصادية أفضل. وهو جلّ ما يتمناه الشعب اللبناني.

فهل سيكون لهذا المجلس العتيد، القدرة والسماح في أن يواجه الواقع؟

*باحث إقتصادي، خبير في قانون المحاسبة لدى المحاكم التجارية