السفير المطرود ظلماً وقهراً

محمود الاحمدية

قد أفعل الشيء لا أبغي به أملاً

ولا أبــالي الـورى مـاذا يقــولـونــا

همّي ضميري فإن أرضيتـه فعلى

رأي العبــاد ســـلام الـــمستخفّينا

قصة جميلة معبّرة حدثت معي وبناء لطلبي من إدارة إحدى المدارس وفي هذه الأيام الصعبة وكان ذلك بعد أن قدمت محاضرة بيئية عن “ثقافة فرز النفايات من المصدر”… وكان الموضوع الذي طرحته أن أدخل أحد الصفوف لطلاب دون الثانية عشرة من العمر… وكانت مفاجأتي كبيرة… لأن الموضوع كان طرح سؤال على كل طالب على حده: عندما تخلص المرحلة الأولى من التعليم وتدخل الجامعة ماذا تتمنى أن تكون مهنتك في الحياة؟ فكانت المفاجأة التي لم أنتظرها 40% يريد أن يكون سفيراً! والباقي ما بين مهندس وطبيب ومحامي وطيار وصحافي وكاتب و… و… إلخ…

وفتشت بين أوراقي العتيقة بإرادة صلبة وإيمان أن أجد قصة حدثت في أحد العهود ولن أسمّيه منعاً للإحراج وحتى لا نقع في شطط لا علاقة له بالإحصاء العملي على الأرض في مدرستنا التي سبق وتكلمنا عنها…

وجدتها وكانت كالتالي: أحد أصدقائي السفراء المجتهدين المعروفين بمناقبيتهم ونظافتهم وشفافيتهم وإبداعهم في مهنتهم التي تتطلب الديبلوماسية على أعلى مستوياتها… يقول فيها سعادة السفير الصديق: كجزء من نشاطي لتقوية الصلات والعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية…

وكانت هذه المرة ببُعْدِها الاقتصادي حيث جاءت بعثة اقتصادية ووصلت إلى العاصمة بلغراد… ورتّبت لها موعداً في الخامسة مساءً لمقابلة الرئيس تيتو والساعة السابعة لمقابلة وزير الخارجية والساعة الثامنة لمقابلة وزير الاقتصاد. وتابع صديقي السفير: لقد طلبت من أعضاء البعثة أن يجتمعوا في مكتبي الساعة الرابعة قبل الموعد الأول بساعة حتى نستطيع وبالراحة تلبية المواعيد الثلاثة لدقة وأهمية احترام المواعيد فتذهب معاً وبراحة كاملة…

وبدأت مرحلة العذاب والبهدلة، مرت الساعة الرابعة ولم يأت أعضاء البعثة ومرت الرابعة والنصف والسادسة والسابعة والثامنة وفي الساعة الثامنة والنصف وصل أعضاء الوفد الأشاوس فقلت لهم منزعجاً: لما تأخّرتم؟

قالوا: كنا في السوق نشتري مشتريات (صدق أو لا تصدق).

قلت لهم وذلك على لسان صديقي السفير: هذا شيء لا يليق وهذه مواعيد هامة مقدسة لا يجوز إهمالها وهي مهمتكم الأساسية في رحلتكم ومجيئكم ولا يجوز أبداً مخالفة هذه المبادئ والمسلمات ولم أكمل بكل آلام الدنيا!!

وعادت البعثة الاقتصادية إلى بيروت وبعد ثلاثة أيام وصلت السفير اللبناني برقية هذه نصها (وكانت أيام البرقية في الاتصالات) ونصّها: “قدّم استقالتك من منصبك لأسباب صحيّة” الإمضاء وزير الخارجية!!

وقدم السفير استقالته وعاد إلى لبنان وسأل عن السبب في إقالته، وقيل له بكل وقاحة: إنه وجّه لوماً غير لائق إلى ثلاثة من كبار القوم لهم خطوتهم وما وراء خطوتهم ولهم ظهرٌ قويٌّ وما كان يجوز أن يتجرأ سفير ويلومهم وهم أشبه برُسُلٍ لآلهة كبار في الوطن مقدسين طاهرين…

وطبعاً كان من واجب السفير صديقنا أن يلوم الرئيس تيتو لأنه لم يجلس ساعتين في انتظار الآلهة الثلاثة!

تذكرت هذه القصة وقلت في نفسي ليت هؤلاء الطلبة يبحثون عن وظيفة أخرى غير وظيفة السفير في وطن ضاعت فيه الكرامات والقيم والكفاءات وساد فيه الفساد.

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة