جمال عبد الناصر: لمحة وجه في صُور

كمال جنبلاط

منذ أول لحظة عرفناه، توسمنا فيه الخير واحببناه. عرفنا الرئيس جمال عبد الناصر لأول مرة، يوم كان رئيساً للحكومة الإنقلابية وقائداً لجماعة الضباط الأحرار.. وكانت الحكومة السورية قد أوفدتنا إلى القاهرة، وكلفتنا باسمها وبإسم رئاسة أركان الجيش السوري التي كان يتولاها اللواء الوطني الكبير الصديق شوكت شقير، بأن نعرض على المسؤولين المصريين مشروعاً للوحدة العسكرية.. وكان المشروع يتضمن على ما نذكر: توحيد القيادة، وإنشاء صندوق مشترك للإنشاءات العسكرية، وتنسيق الأسلحة والتدريب.. فاستقبلنا الرئيس المصري في غرفة بسيطة جداً ومتواضعة، في بيت صغير كان يلجأ إليه للتأمل والتفكير والراحة، يقع على ضفاف النيل في القناطر الخيرية.. وكانت، في وسط الغرفة، طاولة مهيأة للإجتماع وللعمل ولتناول الطعام في آن واحد..

وأذكر أن أبرز ظواهر القائد الثوري الشاب آنذاك كانت هي الوادعة والبساطة والصراحة المقرونة بحدس استنتاجي لعواقب الأمور، وبداهة سريعة في الانتقال من الأسباب إلى النتائج وحس ارتقاب لردود الفعل والتجاوب عند الآخرين. وبعد نقاش دام أكثر من ثلاث ساعات، وبعد ادخال بعض التعديلات الإيضاحية، التفت الرئيس جمال إلينا وقال: “إننا نقبل بهذا المشروع، ولكنك سترى يا أخ كمال أنهم – أي الحكومة السورية آنذاك –  هم الذين لن يقبلوا به ولن ينفذوه”.. فاستغربت الأمر، ولكنني ما لبثت فيما بعد، يوم حملت الجواب المصري إلى اللواء شوكت شقير ووزير الخارجية خالد العظم، أن تأكدت من صحة حدس الرئيس جمال.. فقد حاول عبثاً رئيس الأركان السوري أن يجعل الحكومة السورية تنفذ الاقتراحات التي كانت هي قد تقدمت بها. ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل..

ولما استقبلني الرئيس مرة اخرى، قبل أن أغادر أرض الكنانة، لاحظت بأنه يستعرض بكلية قلبه وقبسات عقله أنظمة الإصلاح والتقدم والتنمية، ويسترشد المبادئ والأفكار التي يمكن أن تحقق ازدهار بلاده ورفع مستوى الشعب المصري في العدالة والأخوة والتضامن والمساواة مادياً ومعنوياً وقومياً.. وكان لا يزال في مرحلة الاستقصاء والمقارنة بين مختلف الأنظمة الإجتماعية والسياسية، التي يصلح تطبيقها والأخذ بها.

وكان يصارحنا بكل بساطة وبتواضع جم، وبمحبة تتألق في عينيه مع اشراقة العزم على وجهه، وتجلي الإرادة القوية في بروز ذقنه، وحلم المثالية في انحناء جبينه، وقدرته الظاهرة على العمل والصراع البادية في جسده المارد المتعضل قوة وعنفواناً، وهذه الشهامة والمروءة والسماحة الماثلة في بعض قسمات وجهه وأنفه، وهذه السمرة العربية التي تحلو بها ابتسامته ويزدان بها صمته، وقبل وفوق كل ذلك كان شعور عميق بالإنسانية يعمر قلبه وكيانه ويجري على لسانه…

وكان يقول لنا بسذاجة: أنه لم يفكر أبداً فيما مضى أنه سيجد نفسه، هو ورفاقه، مضطراً بحكم اختلاف السياسيين التقليديين المصريين وتفاهتهم، إلى أن يمارس السلطة، وان جل ما كانوا يهدفون إليه هو انقاذ مصر من الطغيان والفساد في عهود الملكية الأخيرة، ثم تسليم الدولة إلى اربابها من السياسيين المحترفين.

وأخذ الرئيس يستعرض أمامنا – وكأنه يناقش نفسه – بعض هذه المبادئ والأفكار الرئيسية التي بدأت تنجلي في مجالات استغراقه بالتأمل! وتحدثت لماماً عن الاختبار اليوغوسلافي، وعن مناهج حزب العمال البريطاني، وبعض التجارب الاشتراكية التي قامت في الهند وفي البلدان الشيوعية، وعن ميثاق حزبنا التقدمي الإشتراكي وعن ضرورة اشراك العامل المنتج بالفائدة العامة للإنتاج ذاتها. ويبدو لي ان الخطوط الرئيسية للمبادئ الأساسية التي تركزت وقامت عليها فيما بعد التجربة الإشتراكية المصرية المبتكرة الطريقة، كانت ترتسم حلقاتها في نفسه آنذاك وفي ضوء دفء عيونه الحالمة وبما كان يغمره من ارادة الخدمة والتضحية..

وقال لي في مناسبة أخرى: “ان اضخم وأخطر عمل قمت به في نظري وبالنسبة الي، وهو أخطر من انجازات الثورة ذاتها، هو: انني تمكنت أن أحول تماماً بين الجيش وبين ممارسته للسياسة..” وكانت دوامة الانقلابات العسكرية قد أضحت مصيبة بعض البلدان العربية.

وزرنا الرئيس عبد الناصر أيام الوحدة المصرية – السورية في دمشق، عاصمة الخلافة الأموية. وكنت أرى فيه وكأنه وريث لبعض كبار الفاطميين عبر التاريخ، فكان يفاتحنا بأمور كثيرة تدل على صوابية تقديره للأمور، ونكاد نقول استقرائه للمقبل علينا من الأحداث. وكان حماس الشعب العربي في كل مكان يرنو إليه في تطلعه إلى ذاته وأمله، وكأن الدنيا بأسرها أشرفت معنا على الموعد الكبير وعلى منحة القدر، وعلى منعة الزمان..

وكانت هذه العاطفة العميقة الجميلة تتسرب خلال خطبه وأقواله وتحياته ومبادراته. فالشباب الطلي الندي عرس تلك الأيام يرقص في مرابع فرحتها.. وما حسب أحدنا أن تقدم أيدي الظلام على فرط نظام العقد الجماني الذي تجلى فيه أمل العرب وطموح التاريخ روعة الالتقاء بين الجماعة في الأخوة والكفاح والمصير والبناء..

رأيناه مع اللواء شقير في كانون الثاني سنة 1967، وكانت علامات الجهد المتصل العنيف في حقل البناء الداخلي والنضال السياسي الخارجي وفي مقاومة الاعداء والمتخاذلين والمنكرين والشامتين والحاقدين على السواء، تحيط عينيه السوداوين بوهج زرقة سلالة أبناء النيل الجميلة. وكان في استعراضه للسنة المقبلة عليه صريحاً واضحاً يقول متنبئاً على عادته: “ان هذه السنة ستكون أخطر سنة على الجمهورية العربية المتحدة وعلى العرب”.. وحذرنا كثيراً من نتائجها، وكأنه كان يتوقع الهجوم الإسرائيلي على الأرض العربية وسط انقسام نهج حكام العرب وتناحرهم وتآمرهم أحياناً ومزايداتهم الجوفاء..

وبعد النكسة بقليل، ويوم حضرنا مؤتمر التضامن الافريقي – الآسيوي، شاهدنا الرجل العملاق ذاته، بابتسامته وأنفته الصامتة التي لم تتبدل، وبتواضعه وانسه العفوي الأخاذ وبهيبة الأسد الجريح في سيمائه.. ولكن الرضى والتسليم والعزم والأمل ورباطة الجأش كانت تغلب، وتتحول في انتقالها وظهورها بين اسرارة الوجه ونور العينين.. على ان المسحة الروحانية التي كان عليها في تنزل الإيمان في صدره وعقله، بدت بارزة واضحة متعاظمة في مظهر الرجل ومبادرته وتفكيره وفي حديثه.. وتحدثنا واقعاً وفعلاً عن أشياء روحانية… وكأنه قد تلبس في تلك الساعة عذاب الشعب العربي الناجم عن سوء التصرف وعن الأعمال الخاطئة الماضية وانحرافات الحكام وهدر الطاقات.. وكأن كل ذلك وقع وحصل وتجمع في النكسة لأجل “تنقية نفوسنا وتطهيرها” على حد تعبيره آنذاك، وكان اقتناعه الكلي الصميمي بالارتباط السببي بين هذا وذاك، ويقينه بالخروج من سيناء النكسة وعزلة المحنة إلى النصر والغلبة.. فالنار للحديد فولاذه، وقاع الأرض الضاغط الصاهر للفحم المستبطن جوهر ماسة.

***** 

والكتاب الفرنسي الذي عكف الأخ الصديق الدكتور سهيل ادريس على اصداره، هو من الاثار التي تعتمد في اسلوبها الوضعي، بعد النكسة بقليل، الانطلاق من أحداث معينة متسلسلة، ومن أرقام وأعمال ومبادرات محددة، إلى إظهار شخصية الرئيس جمال عبد الناصر وحقيقة نهجه وأهدافه بأسلوب شيق موجز علمي، وبالتعبير والتحليل والتتابع المنطقي التي يستسيغها القارئ الأوروبي والفرنسي بشكل خاص.. ولا بد من التنويه بجهد المؤلفين والمعرب والناشر على السواء في هذه الظروف بالذات التي يحتاج إليها العالم العربي إلى أمثال هذه الدعاية تنتشر في ربوع العالم الغربي – في ربوعنا أيضاً..

وتتوضح شخصية الرئيس عبد الناصر، كما اسلفنا في هذا الكتاب في وجهها الإنساني الطبيعي البسيط البعيد عن كل تركيب وتعقيد وكأنها مرآة للصدق ينظر فيها المؤمن فيرى نفسه، أو كأنها صفحة نهر النيل في ليلة قمراء هادئة مستكنة لا تخدش سطحها الغافي بين سمائين مكوكبين – في أعماق الفضاء وفي أغوار المياه – الا امواج جعداء خفيفة كنسيمه.. ونرى أحياناً فيه النزعة المصرية الشرقية العاطفية التي تنهدر في نكتة أو تشمخ في موقف للشهامة وللمروءة رفيع، أو تهتز وترعد من سوء الغدر ومن مقابلة الخيانة.

وقد تدفعه هذه العاطفية المستعلية بتطلعات التضامن ومبادرات الشهامة إلى اتخاذ مواقف من الواجب قد لا يكون هو معدلها أو قابلاً بمواجهتها في الزمان والمكان المحدد وبالأسلوب الذي يقتضي، كما حدث أخيراً يوم استنهضت سوريا المهددة النخوة من أقوى عون وجار.

ويتوج هذه الشخصية الشعور الذاتي بالمسؤولية النابعة من إيمان باسلام حنيف منفتح، ومن مناقبية لنظام العقل تفرض نفسها على تصرفاته.. وتبرز في هذا الباب أكثر من مقابلة مع زعماء شرقيين آخرين، وفي طليعتهم الروح العظيم المهاتما غاندي.. فبعد الناصر هو أيضاً طالب حقيقة.. وليست روح عدم الإيذاء Non Violence في النية وفي القصد وفي ارادة التصرف وتوجه العاطفة – على حد تعبير المؤلفين – هي وحدها التي تربط وتقارب بين الرجلين، وصاحبنا لا يكاد يقوم بأي عمل أخير أو يبادر بأي عنف أو تهديد بالعنف قبل ان يستنفد جميع وسائل السلام والاقناع والتسوية.. بل هناك شيء جامع أعمق من ذلك المظهر للشجاعة المعنوية، المتجسدة برغبة عدم الإيذاء أصلاً، والتي هي ارادة الخير، وهي التسمية الحقيقية لكلمة Ahimsa  هذا العامل الجامع هو مظهر من مظاهر بعض كبار القادة الشرقيين في التاريخ القديم والحديث، وهو الانتساب إلى شرعة عقلية وسنة ضميرية توحي بأعمالنا وتصوب اتجاهاتنا وتضبط مسلكنا، وتقومه بسببية حسن النية وارادة الخير والنزوع الطبيعي إلى السلام.

وهذا اللون من الإشتراكية الروحية – فيما عدا انه يشكل المقابل الموازي الطبيعي والظاهرة النفسية البدهية لكل اشتراكية عملية اقتصادية واجتماعية – يذكرنا بألوان لها في مصر الفرعونية القديمة – انما هي الروح التي تحيي لا الحرف – ان هذا اللون من الاشتراكية الروحية يستقطب ويستجلب معه ذهنية ديمقراطية من الأخوة والتسامح والتضامن طبعت بها شخصية الرئيس العربي، واصطبغ بها نظامه السياسي وثورته على الأوضاع الرجعية البالية مهما قيل ومهما كانت المراحل.. ولعله ما من ثورة عنيفة الا ثورة مصر قامت في العالم واهرق فيها مقابل استتبابها والقضاء على المقاومة لها، دم رجل واحد لا أكثر حكم عليه بالإعدام بسبب محاولته اغتيال جمال عبد الناصر في الاسكندرية كما هو معروف.

وقد تكون مصر أقرب البلدان إلى عودة وتركيز نوع من الديمقراطية السياسية على الطريقة الغربية المتطورة أو امتداداً واصلاحاً لهذه الديمقراطية، وذلك بأسرع مما يمكن ان نتصور.. فتقدير القائد العربي الكبير للحقوق والقيم الإنسانية الرئيسية الشخصية كما برزت في العرف والاختبار الغربي البريطاني والأوروبي السكاندينافي الشهير، لا يقل أبداً عن تمسكه بتوفير فرص المساواة في الظروف الاقتصادية والثقافية لجميع المواطنين، فالتلاحم والتلازم قائم واصيل.. وإنما القصد من كل اشتراكية حقيقية في النهاية هو الجمع والتأليف في قالب ونظام منسجم مسؤول بين حق الإنسان بالعيش وكرامة العمل وشرف الاسهام والاشتراك في الإنتاج الإجتماعي، وبين حقه بالحرية، وواجبها عليه.

وقد يكون الرئيس والرائد العربي قد تأثر في تكوين هذه الذهنية من مطالعاته وقراءته لأكثر ما كتب حول التجربة شبه الاشتراكية لحزب العمال في بريطانيا ولاختبار الشمال الأوروبي السكاندينافي، على حد ما قاله لنا مرة في دمشق. أو لعل في ذلك ظاهرة لتمسكه بلون من الإيمان الإسلامي المنفتح على كوة من الإنسانية الأصلية في حياة النبي الكريم والصحابة والراشدين، والمستضيء بنفحة غالبة من الرضى والرضوان والتسليم، وارتقاب التوفيق من فجوة الوصلة بهذا الذي يتعدى ارادة الإنسان ويوجهها في صمت النفس وراحة الضمير.

ويبدو لنا أن هنالك تأثراً واضحاً بالمسلك السياسي الهندي في اعتمال الديمقراطية الإشتراكية على طريقة نهرو، والنابعة من تراث الهند ومن وحي اصداء دعوة المهاتما غاندي، مهما قيل في عكس ذلك، كما وان في هذه المواجهة تحقيقاً وتدقيقاً وتحليلاً لما ذهبت إليه التجارب الإشتراكية الماركسية، ومحاولة لتجنب غلوائها وطيشها أحياناً، واغراقها في العنف وفي تحجر الكلمة وجمود الذهن والعقيدة.

وفي اعتقادنا ان في جبله الرئيس جمال وتطبعه ومواقفه شيئاً من كل ذلك في آن واحد.

وتبرز من خلال هذه المواجهة وهذه الذهنية وهذه الأعمال وهذه النهضة الاقتصادية والاجتماعية الماثلة في مصر الجمهورية، اشتراكية عربية تجريبية عملية تهدف إلى الجدوى قبل كل شيء، أكثر منها اشتراكية عقيدية، لان في العقائد جفافاً وجموداً واستحسان عصبيات يبعدها عن مسالكة الواقع ووحي العقل.. وإنما  العقيدة وضعت لأجل الإنسان ولم يخلق الإنسان لأجل العقيدة. وقد يمكن في ذلك التصرف سر نجاح التجربة المصرية وطابع الاستقرار السياسي الذي رافق هذه التجربة.

كما وان هذه الروح العملية التجريبية الملازمة والآخذة بواقع مصر وشعبها ربما كانت هي التي أوحت بتأليف من الاقتصاد المؤمم والاقتصاد المختلط والاقتصاد الفردي في آن واحد، على غرار التجربة الإشتراكية الهندية وبعض دول أوروبا الشرقية. كما وأن هذه الروح العملية التجريبية هي التي أوحت بهذا الطابع من التعاون بين المصلحة الخاصة والمبادرة الخاصة وبين المصلحة العامة والتوجيه العام، على حد ما كان يتصور ذلك “بركي” في كل اشتراكية حقيقية.. لأن المقصود من تحقيق النظام الإشتراكي ليس سوى التوفيق بين جهد الفرد وبين تعاون الجماعة ومصلحة هذه الجماعة وحقها بأن يكون الاقتصاد اقتصاداً اجتماعياً موجهاً لمصلحة الأمة.

ونكتفي بهذا القدر من التقديم لهذا الكتاب الذي يكشف، في أسلوب منطقي، شيئاً بسيطاً عن مكامن رجل أحببناه، وأحببنا فيه هذه الطينة الإنسانية، هذه الشجاعة المعنوية، هذه الصراحة الشفافة القريبة إلى العقل وإلى القلب، هذه الروح العملية والعلمية المستوحية لما في ذهنية الغرب من مسؤولية وانتظام وعزم في الأمور ومثابرة في التحقيق والجهد والمراقبة، وبين أفضل ما في مصر وفي تاريخها وفي جبلة شعبها المتوجه دائماً إلى اشراقة النور وومضة شمس الفجر منذ كانت ترتسم له في باطن خياله فوق مسلات ضمير الحضارة الأولى، حتى عهودنا المستوثقة شمس العلم والانفتاح والعدالة هذه، وبين الانتساب المعنوي التراثي لروحية الاسلام وتقليد العرب.

وهكذا فان أكثر ما نحب في عبد الناصر – علاوة عن صداقتنا الشخصية التي لا تتزعزع – هو هذا الإنسان الطامح الى الخير والفضل والحب والقوة المعنوية في الرجل على قدر اهتمامنا وأكثر بالسياسي وبالمنظم وبالقائد الاجتماعي وبالرائد القومي العربي والذي عرف ان يطبع هذه القومية ذاتها  بطابع الانسانية.. أي هذا النتاج الصافي الذي يبقى جوهراً في النفوس، قبل وبعد تعريتها من ضوضاء السياسة، ومن اطارات الدعاية، ومن تصورات العاطفة المشعة، وفي التقدير المستحق الذي يذهب حتى أبواب التقديس ويقف بنا عند عتبة المحبة الخالصة  والثقة والوفاء. وهذا الشعور – شعورنا – هو اليوم في ظرف النكسة أقوى في توجهه إلى جمال عبد الناصر منه في أي زمن سابق وآخر.

*المصدر: كمال جنبلاط، “من أجل المستقبل” الدار التقدمية، آذار 1987، ص: 135-160.