تيمور جنبلاط: خطاب “التيار الحر” أعادنا 40 سنة الى الوراء

بخطواته الأنيقة، بزيّه الرسمي، بشعر قصير، بجبين عريض وصوت ناعم يستحضر للوهلة الاولى جده “كمال” لكن طريقة حديثه، روح الدعابة الخاصة، بتواضعه وابتسامته المحببة بالاضافة الى بعض تعابير وجهه خاصة عيونه تعيد إلينا مباشرة وجه والده “وليد”. تيمور جنبلاط، المرشح على احد المقاعد الدرزية في دائرة الشوف-عاليه بدون شك هو وريث احد العائلات السياسية التي طبقت السياسة اللبنانية خلال القرن العشرين كي لا نعود الى القرن السابع عشر.

رغم كون هذا الامر مصدر فخر واعتزاز دون شك الا ان هذا الارث يشكل مسؤولية كبيرة، يعترف بذلك متابعا: “من الصعب جدا ان أكون على مستوى جدي، خاصة ان الناس يتوقعون ذلك مني”، يقول البيك الشاب خلال لقاء مطول مع l’orient le jour ، مضيفا “لكن اعتقد ان لدي مسؤولية اكبر على كاهلي من وليد جنبلاط حين تولى الشعلة، هو لم يكن لديه سوى كمال جنبلاط للتشبه به اما انا فعليَّ ان اظهر بمستوى الاثنين.”

من جده، لم يرث تيمور فقط الشبه الجسدي رغم انه يعترف بأنه لا يتقاسم مع كمال جنبلاط حماسه للروحانية واليوغا الا انه أخذ منه حبه للهدوء، التأمل والوحدة، “روحانيتي هي القراءة، الموسيقى، المشي والبقاء وحيداً أحياناً”، كما انه أخذ منه  رومانسيته ومثاليته التي دفع حياته ثمناً لها “لذلك اريد ان آخذ الواقعية من والدي وأمزج الاثنين معاً”، هذا ما يلحظه ابن الـ ٣٦ سنة قبل ان يضيف “أرغب خاصة في ان أكون نفسي.”

الرغبة في ان يكون له نهجه الخاص يتكرر في خطاب تيمور جنبلاط “لم اختر مساري بنفسي” يقول ذلك ببعض من المرارة.

 

في جامعة القديس يوسف أراد الشاب ان يدرس الحقوق او في لندن مادة التاريخ التي يحبها مثل والده، “لأننا منغمسون في التاريخ رغم اننا لا نتعلم منه شيئاً”، لكنه قرر وجهة اخرى فتابع دراسته في القضايا الدولية والصراعات والأمن في معهد العلوم السياسية في باريس، المدينة المفضلة لديه اذ قضى عشر سنوات في العاصمة الفرنسية التي شهدت ولادة ولديه سابين وفؤاد.

تحت ضغط التقليد، دخل تيمور السياسة التي لم يكن منجذبا اليها فعليا، “لا أحب السياسة هذا صحيح اذ انه لا سياسة بكل معنى الكلمة في لبنان، انها سياسة مربعات مغلقة، كل رئيس حزب او مجموعة يعمل لصالحه الخاص ولصالح جماعته، فليس هناك مصلحة عامة”،يؤكد تيمور قائلا “اول سؤال يُطرح عليك هو من أين انت؟ لتجنب سؤالك مباشرة الى اي طائفة تنتمي. هناك ١٩ سياسة في لبنان وليس هناك سياسة واحدة مشتركة، نحن عاجزون عن تنفيذ مشروع لإصلاح الكهرباء مثلا”.

لم يمض تيمور جنبلاط سوى عشر سنوات في لبنان اذ قام وليد جنبلاط بإرسال ابنه الى باريس لحمايته في عز ربيع بيروت بعد تلقيه تهديدات من النظام السوري، نقلها آنذاك نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام عام ٢٠٠٣ خلال زيارة الى المختارة  وبعد اغتيال رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ .

تعلم في باريس الاستقلالية وحس المسؤولية لكنه يأسف لعدم تمكنه من المشاركة في يوم ١٤ آذار ٢٠٠٥، “كانت حلم وحدة أتمنى ان تتحقق يوما في لبنان…لا ازال اذكر ذلك النهار عندما سمعتُ فرنسيا يقول لآخر سوف ترى انه بعد شهر سيعاودون الصراع فيما بينهم من جديد، انزعجتُ كثيرا من هذا الكلام… أشك ان يوما مماثلا سيتكرر عما قريب فقد تراجعنا أربعين عاماً بفضل التقوقع والخطاب الطائفي المستخدم حالياً من قبل زعيم التيار الوطني الحر”.

عند سؤاله عن المسيحيين ضحايا المجازر التي تلت اغتيال كمال جنبلاط في ١٦ آذار ١٩٧٧ ومصالحة الجبل مع البطريرك صفير في آب ٢٠٠١، يذكر  تيمور جنبلاط انه قام العام الماضي بجولة في الشوف لتقديم اعتذاراته “لم أعش كل ذلك لكني مستعد للإعتذار مرة جديدة اذا وجدتُ الامر ضروريا للحفاظ على السلم.اتمنى فقط على من يعززون الخطاب الطائفي ان يعتذروا هم أيضا يوما ما.”

يقول جنبلاط: “كنا كلنا ضحايا وجَزَّارين خلال الحرب واقترفنا كلنا الأخطاء. ليس هنالك مشكلة مع القوات اللبنانية والكتائب وهم متمسكون بالمصالحة التي تمت. لكن التيار الوطني الحر يعتبر ان المصالحة لم تُعقد معه وهي بالتالي لم تحصل. لكن المصالحة تمت فعليا منذ اكثر من عشر سنوات ويجب علينا حاليا تدعيمها بمشاريع تنموية.”

تتركز أولويات تيمور حاليا على ثلاثة محاور: الكهرباء، الصحة في ظل أزمة النفايات والمياه، قائلا “من المعيب ان نصل الى هذا المستوى بالنسبة الى بلد يستمر بالمفاخرة انه الاستثناء الثقافي في العالم العربي. البنية التحتية هي أساس بنيان البلد”، مؤكدا على الحاجة الى التربية المدنية، قائلا “يجب البداية من مكان ما.لا يمكن تغيير بلد من فوق الى تحت.”

ان العمل في الحقل العام لا يختصر اهتمامات تيمور جنبلاط، ورث من جدته مي ارسلان جنبلاط حباً عميقاً للفن والثقافة.عندما يستذكر هذه المرأة الاستثنائية يقول مع مسحة كبيرة من الحنان: “كانت هي من يدير المنزل على كل الاصعدة. كانت مرجعنا انا ووالدي، كانت ترسل إليّ صور الممثلين، كانت تحب كثيرا السينما والموسيقى والأوبرا والجاز والموسيقى الإيطالية وقد عشنا سنتين في روما سوية”، كما كانت هي التي عرّفته على الموسيقى والرسم ونقلت اليه حس الاناقة. ويتابع “لقد طبعتني بشخصيتها القوية وثقافتها. كانت مؤثرة بمجرد حضورها، دون حاجة للكلام.”

فبفضل إرث مي جنبلاط، يعشق تيمور جنبلاط السينما والموسيقى والرسم والأدب. كما انه كتب الشعر على أمل نشر قصائده في يوم من الأيام لكنه يستطرد “لم اكتب حرفاً منذ خمس سنوات، فقدت الإلهام بسبب السياسة.”

 

وينهي تيمور جنبلاط معترفاً “السينما احدى وسائلي للهروب من الواقع، علينا ان نحلم من وقت لآخر، لبنان أيضاً هو حلم أتمنى ان نستطيع تحويله الى واقع، واقع لبنان موحد وسيد بعيد عن الصراعات الطائفية والتقوقع والانانية المفرطة والفوضى وفقدان الحس المدني، وان كان هذا الامر يستوجب عدة أجيال…”.

“الانباء، l’orient le jour”