هكذا اعترض بري وجنبلاط على تجاوز الحريري الخطوط الحمر

منير الربيع (المدن)

مثّلت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى الجنوب وتحديداً إلى دائرة الجنوب الثالثة استثناءاً في التاريخ اللبناني. هي الزيارة الأولى التي يجريها رئيس حكومة إلى تلك المنطقة. ويمثّل الحريري رمزية في ذلك، باعتبارها ممنوعة عليه. لكنه كان واضحاً، قائلاً إنه لا يعترف بالخطوط الحمر، “لا أتي إلى الجنوب برسالة تحدّ إلى أحد. وأنا إبن الجنوب أبّاً عن جدّ”. واعتبر الحريري أن لزيارته علاقة بالاستحقاق الانتخابي. بالتالي، فإن سياق الزيارة واضح. لكن الاستثناء فيها، قابله استثناء من نوع آخر، سواء أكان في التحالفات التي نسجها الحريري في الدائرة، وذهابه إليها في صورة مثّلت مواجهة للرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط.

اعتبر الحريري أن زيارته ليست تحدياً لأي طرف. وهو قصد بذلك حزب الله، لكنّها مثّلت تحدياً لحليفيه الأساسيين بري وجنبلاط. فهو ذهب إلى منطقة حاصبيا- مرجعيون من دون تنسيق مع الرجلين. وهذا ما أدى إلى ردة فعل تمثّل في المقاطعة. وهذه المقاطعة تمثّل استثناءً في تلك المنطقة، التي تنتظر زيارة رئيس حكومة إليها منذ سنوات. صحيح أن الحشود كانت غفيرة، لكن ثمة ما في الخفايا ولم يظهر على الإعلام، كان يشير إلى دلائل كثيرة. وكأن هناك افتراقات ستظهر في مرحلة ما بعد الانتخابات.

التحالف الانتخابي الذي ذهب الحريري إلى تعميده، قائم مع التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني. هي نسخة جديدة ومنقّحة عن حجم تناقضات التحالفات التي يخوضها تيار المستقبل في الدوائر الانتخابية، ففيما يتحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي في الشوف- عاليه، وفي البقاع الغربي رغم سوء التفاهم بشأن ترشيح النائب أنطوان سعد، ويتخاصم فيهما مع النائب طلال ارسلان، يتحالف مع الأخير في حاصبيا مرجعيون. وحتى في الأسباب السياسية، لا تبدو مسوغات تبرير هذا التحالف قائمة، فإذا ما اعتبر الحريري أن تحالفه في مواجهة حزب الله في تلك الدائرة، فلم يلجأ إلى وضع فيتو على المعارضة الشيعية هناك. لا شك أن التحالف مصلحياً، وله حساباته الآنية، لكن في الصورة السياسية لا بد من التوقف عند محطات أساسية، أولها مقارنة صورة الحريري إلى جانب ارسلان، مع صورة الأخير إلى جانب اللواء علي الحاج المتحالفين في دائرة الشوف- عاليه.

توضح هذه المؤشرات حجم التناقض لدى معظم القوى السياسية، لكنها تؤشر إلى عدم الانسجام والتنسيق بين الحريري وجنبلاط. وفيما يعتبر النائب وائل أبو فاعور أن الزيارة غير استفزازية بالنسبة إلى الاشتراكي، اعتبر أنها نتيجة تحالف انتخابي هجين بلا أي قاعدة سياسية. لا شك أن بروتوكولية الزيارة استوقفت كثيرين، فأبلغ مشايخ البياضة الزائرين، بسبب عدم التنسيق مع جنبلاط. وهذا ما يضعه أبو فاعور في سياق دخول البيوت من بعض النوافذ، بدلاً من دخولها من أبوابها المعروفة.

وقد أدى المناخ السياسي إلى بعض الاعتراضات في المنطقة، وهو ما منع الاشتراكيين وحركة أمل من المشاركة في استقبال الحريري في المنطقة. وهذا ما كان واضحاً خلال زيارة سرايا الشهابية الإرسلانية وخلوات البياضة، بحيث بدا واضحاً حجم مقاطعة رؤساء البلديات والمخاتير في المنطقة، وخصوصاً رئيس بلدية حاصبيا. وتشير مصادر متابعة إلى أن سبب المقاطعة هو شعور الناس بالاستفزاز، خصوصاً أن الحريري دخل المنطقة بلا أي تنسيق مع بري أو جنبلاط. وتجلى ذلك في الخلوات حيث غابت معظم الشخصيات الدينية، وكانت المقاطعة لافتة. هذا الجو جرى التماسه منذ صباح الجمعة. ما دفع إرسلان إلى الاستعانة بمناصرين من قضاء عاليه، وبعدد من المشايخ في عاليه على رأسهم الشيخ ناصر الدين الغريب، الذي حضر متأخراً.

لا شك أن المقاطعة الدرزية مثّلت رسالة أساسية إلى الحريري. وهذه ما قد يبنى عليه في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، خصوصاً أن حجم الاعتراض على أسلوب الحريري يكبر. وهو ما يتخطى الخلافات الانتخابية في هذه المرحلة، ويعود إلى تنسيق مسبق بين الحريري وارسلان في وزارة المهجرين. وهو ما ألمح إليه جنبلاط سابقاً، حين تحدث عن توفير الحكومة الخدمات لارسلان بناء على حسابات معروفة، وستتضح في المرحلة المقبلة.