النأي بالنفس حاجة وضرورة..

فيصل مرعي

كُثر يعتقدون، بل يؤمنون، بأن شعار النأي بالنفس هو بمثابة إلغاء دور لبنان، وتغييبه عن عمقه العربي والدولي، وطمس كل ما يمت بصلة الى حضارته، ووجوده، ونموذجيته، وديمومته – حسب زعمهم- على ضفاف هذا الابيض المتوسط.

أما المؤمنون “بلنان اولاً”، فيرون ان فيه خلاصاً لبنان من كل تبعية، وارتهان، وضعف ووهن. فالذين يعتقدون ان شعار سياسة النأي بالنفس، يشكّل عزلة للبنان، فإنما يريدون زجّه في نفق مجهول النهاية، وربطه بأزمات إقليمية، لا ناقة له فيها ولا جمل. ومهما يكن من أمر، فإننا نرى، نحن المؤمنين بسياسة الحياد الايجابي، والنأي بالنفس، يشكّل وقاية، ومِنْعة وقوة له، خصوصاً وان حروباً محاذية له تدور رحاها، هي من أسواء ما تشهده المنطقة، والتي قد ترتب على لبنان ضرب التفاهمات والتسويات المؤقتة، وصولاً فيما بعد الى اقامة التسوية النهائية الكبرى.

إن كل ما يُحكى اليوم عن تسوية سياسية في سوريا، يأتي في إطار تسوية سياسية شاملة، تبعد لبنان عن محاور وأزمات محيطة به، بما يعني نأي وابعاد لبنان عن كل ما يشكل له من توترات، وفوضى واضطرابات تلفه من كل حدب وصوب، حفاظاً على ما تحقق من نجاحات وانجازات، سواء لجهة تثبيت السلم الاهلي، وتعزيز الوحدة الوطنية، وهذا الاستقرار الاقتصادي، والامني الذي ارسى دعائمه قادة كبار مشهود لهم في الانفتاح، والدعوة الى الحوار المستدام، وارساء دعائم التسويات التي لم تأت لصالح فريق ما، بل لصالح لبنان كل لبنان.

lebanon

فمن يتوهم، انه بمقدوره فرض تسوية سياسية ما وحيداً، وعلى شاكلته، دون مد يد العون للشريك، فهو واهم بلا شك، سيما وان هكذا نوع من التسويات لم تبصر النور اساساً، وانها ذهبت واصحابها ادراج الرياح. وبعد سبع سنوات من سفك دماء، وتهجير، وتشريد في سوريا، بدا ان سوريا الخاسر الوحيد والاكبر، بكل مكوناتها ومقوماتها بما انكس ذلك سلباً على لبنان شئنا ام ابينا، باعتبار ان هنالك صلات وثيقة، وامتداد جغرافي، ومصير مشترك. من المؤشرات الجديدة، ان هنالك تعاوناً جدياً بين الاطراف المتنازعة بما في ذلك الذين داسوا واستباحوا تراب سوريا، وبالتالي الجميع في حالة ترقب حول ما سيطرأ من تحولات وتغييرات بشأن تسوية سياسية منتظرة بشأن الازمة السورية، بما ينعكس ايجاباً على استقرار لبنان، باعتبار ان كل ما يخصل في سوريا له ارتدادات على لبنان. هذه التسوية بدأت ملامحها تلوح في الأفق، وإن كان ذلك ليس في المدى المنظور.

وحتى لحظة التسوية النهائية، يبقى لبنان في دائرة التسوية المرحلية، تحت عنوان انصاف الحلول، وتحت سقف التهدئة، بسبب ان لا حل نهائياً. ولعل استقالة الرئيس الحريري، ومن ثم التريّث بعدم الاستقال النهائية، قد انتجا تسوية سياسية جديدة اوصلت البلد الى همود الاوضاع، حيث لم يعد من مصلحة لفريق ما توتير الاجواء في وقت كذلك شارفت فيه الازمة السورية على نهاياتها. زد على ذلك، التمسّك بأفضل العلاقات المميزة مع الدول العربية، والابقاء على سياسية الانفتاح، والالتقاء على قاعدة القضية والمصير. سياسة التوازن هذه، داخلياً وخارجياً أدت الى امتثال فريق وازن للامر الواقع ما عزز وثبت الالتزام بشعار النأي بالنفس، الذي رفعه الرئيس الحريري شعاراً، ما ألان موقف المجتمع الدولي، باتجاه استقرار لبنان، واحترام سيادته، وانسحاب ذلك على مجموعة الدول المؤمنة بأن لبنان ليس حاجة فحسب في هذا المقلب الثاني من الكرة الارضية، بل ضرورة على كل الاصعدة والمستويات: تنوعاً، وثقافة، وهوية، وحرية…

ونتيجة مواقف الرئيس الحريري، والثقة التي اعطاها الناس إياه، كان هذا النأي بالنفس، إبعاداً للوطن عن كل شرّ ومكروه.. وما يجري الآن من تنادٍ للالتزام بشعار النأي بالنفس، مشابه تماماً لِمَا جرى في الخمسينيات، عندما نادى رجالات كبار وقادة عظام الى اتباع سياسة عدم الانحياز، اي سياسة الحياد الايجابي، يوم عُقدت المؤتمرات، خدمة لقضية الحرية والسلام بين الشعوب.

فلبنان الرسالة والقيم، لا يليق به الا هذه السياسة، إبقاءً لهذه المسحة الديمقراطية التي يمتاز بها عن سائر محيطه، ناهيك عما امتاز به من حرية وثقافة، ونموذجية، وقيم انسانية واخلاقية، وحضارية…

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…

حلم راود اللبنانيين .. (وأي حلم؟!)