تسوية جديدة لا استقالة

فيصل مرعي

كثُر الحديث في الآونة الاخيرة، عن استقالة الرئيس الحريري من رئاسة الحكومة. فمنهم من قال: إنها جاءت في الوقت المناسب، ومنهم من قال: إنها جاءت في الوقت الخطأ، وفي لحظة مصيرية. وفي كلتا الحالتين، المطلوب الترقّت والانتظار. وعلى ما نعتقد أنه لم يتّخذ هذه الخطوة عشوائياً، بل بعد تمحص وتمعّن، لا سيما بعد حصول جملة من التراكمات، السياسية طول البلاد وعرضها، داخلياً وخارجياً.

فداخلياً، وبعد التسوية التي أقيمت، والتي كان ينتظرها اللبنانيون بفارغ من الصبر، وصولاً الى سد الفراغ رئاستي الجمهورية والحكومة. فكان أن التجاذبات السياسية هدأت، وكان ان حكومة أطلت حاملة من تباشير عهد جديد، وميلاد جديد، سمّيت بحكومة استعادة الثقة. حكومة لا يمكن لأحد ان يُنكر ما قامت به من انجازات كبيرة. ولكن ما الذي حصل فيما بعد. الذي حصل ان الرئيس الحريري، لم يعد يحتمل اكثر مِمَّا احتمل، بعد رزمة من اخطاء على كل الاصعدة والمستويات من قبل أفرقاء معيّنين، فجاءت الاستقالة مدويّة. استقالة ليست بمفاجئة، بل كانت على قاب قوسين او ادنى من علم الجميع، لا سيما بعد اشاحة النظر عن “الطائف” وعن تطبيق القرار “1701”، فضلاً عن بعض التوترات الامنية المتنقلّة هنا وهناك، ليعود فيفرض شروطاً تجعله ثبْت الخطى، واكثر مِنْعة مما سبق.

أما الشروط، فصار يعرفها القاصي والداني، خصوصاً منها رفع بعض الدول الاقليمية يدها عن التدخل في الشؤون اللبنانية، إضافة على ضبط السلاح وحصره في يد الدولة.. هذا، في وقت كنا، وما زلنا نُجل ونحترم فيه هذا السلاح الذي حقق انتصارات تساوي “حطين” يوم لقن اسرائيل درساً لم ولن يُنسى. أما ان يدار داخلياً لتحقيق مكاسب سياسية لصالح فئة ما، فهذا خطأ وضلال. مهما يكن من أمر، فإن الرئيس الحريري، همه الأول والأخير اقامة تسوية حقيقية ونهائية حفاظاً على مقومات لبنان ومكوناته درْءاً لِمَا هو آت. ولعله اعتقد انه بعد هذه الخطوة، سيعود اكثر قوة ومسكاً لزمام الامور، وبضمانات اقليمية ودولية.

إن ما يريده الرئيس الحريري: تسوية سياسية حقيقية، تأخذ بعين الاعتبار كل الخلافية الشائكة، تعيد الامور الى نصابها. وفي صلب هذه التسوية، الالتزام بالطائف، وبسياسة النأي بالنفس، بحوار هادئ ومنتج، يوصل الى ما يصبو اليه الجميع. وهذا، ما اكده بعض ساسة هذا الوطن الكبار: بأن الرئيس الحريري، بالرغم من كل ما يُحيط بنا من ازمات، يبقى سيد التسويات، والحوار، ورجل من رجالات لبنان في العصر الحديث.

الحريري2

أيها الرئيس، نحن ننتظر عودتك، إحياء وإقامة لتسوية جديدة، تتضمن تأليف حكومة وحدة وطنية حيادية من كل الاطياف. تسوية لا تشوبها شائبة، خاصة وان هنالك استحقاقات مصيرية تنتظر الجميع، وفي مقدّمها تمرير الانتخابات النيابية بهدوء، للإتيان بمجلس نيابي جديد، بموجب قانون انتخابي فيه من نكهة الديمقراطيات الغربية، ما يحترم ارادة الشعب، وما يعزز العيش المشترك، ويخلع نير الاستعباد والرقاب.

بحكمتك، ورؤيتك البعيدة المدى والافق، وبالتعاون مع مخلصين واوفياء حققَّت من مكتسبات وانجازات ما أغنى وكفى. وعلى هذا، يجب الحفاظ على ما تحقّق خشية ان تذهب سدى وضياعاً. وكي لا نقع في دُوار، في حالة من القلق على طراز ما سبق، وخسران ما تحقق (ويا للويل!) نحن بانتظارك، استكمالاً للمسيرة، وانت الجامع في الشدائد، والايام الحوالك. لا شك، بأنك يوم اعتليت سدَّة رئاسة الحكومة، رفعت من شأن لبنان في المحافل الدولية، وجسَّدت ثقة الرأي العام العالمي بلبنان، وعزَّزت السلم الأهلي، وأنعشت الاقتصاد و…

المهم، يكفي انك قمت بتسوية تاريخية، أعادت لبنان الى دوره وحضوره، ونموذجيته في هذا المقلب الثاني من الكرة الارضية.

إننا بك، نقي لبنان، ونصون لبنان، فلا يعود ينهزم لبنان، في وقت كثُرت فيه الهزائم. كنت منصوراً، وستبقى كذلك، مكللاً بإشارات النصر والغار. أنت الاصيل، ابن لبنان الشامخ، ورجل من رجالات لبنان، يقولون، لا للارتهانات، لا للتدخلات والوصايات، نعم للطائف، للحوار، لإقامة التسويات العادلة والمشرفة لا غير. فطوبى لك ولأمثالك، وبرْداً وسلاماً لك ولمحبِّيك.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…

حلم راود اللبنانيين .. (وأي حلم؟!)