جدلية خلفية الوجود وظاهرة الوجود

كمال جنبلاط

أ- جدلية الوعي والظواهر

هناك جدلية دائمة بين الوعي والظواهر، والتي أسميتها الظواهر الموضوعية Des Objects، لأنه بالمعنى الصحيح للكلمة لا يوجد مادة، بل هي كلها مفاهيم فكرية علينا أن نتخلص منها حتى نستطيع تحليل الوجود على حقيقته، أي هذه الجدلية بين الوعي (خلفية الوجود) وظواهر الوجود. وهذه الظواهر تُشكّل عرضية الوجود الحقيقي، عرضية هذه الخلفية، عرضية الوجود الآخر.

كل الفلسفة اليونانية دارت حول هذه الظواهر لأنها كانت فلسفة عرفانية، ترمي إلى الوصول للاختبار الذاتي العميق، إلى إبطال جميع العادات الفكرية ألتي أخذناها من المجتمع ومن العلم المسيطر في عصر من العصور، من الدين، من علاقتنا بعضنا ببعض من تصوراتنا الخاطئة.

علينا أن نتعرى من كل شيء، وبهذه التعرية الفكرية من جميع المفاهيم المخلوقة- لأنّ عمل الفكر خلق مفاهيم تربطنا بالوجود الظاهر- فعندما يتعرّى الفكر تماماً من كُل هذه المفاهيم، أو كما يحاولون اليوم تعرية النظرة العلمية من جميع المفاهيم العالقة بها، يصل شخص، بالتأمل الداخلي، لأن يجعل فكره يغوص في نبعه الأصيل، في خلفيته، إلى أن يصل إلى لون من الاختبار يُؤكّد احادية الوجود في النهاية.

Raphael_School_of_Athens

بينما في الاختبار الصوفي –Mystique وقد تمكن بعض الصوفيين الإسلاميين، في بعض الطقوس الكُبرى، من الوصول إلى الاختبار الحقيقي، إلى خلفية الوجود- فإنّ الزهاد أو المتصوفين قد وقفوا عند مستوى الفكر ولم يذهبوا إلى ما يتعدى هذا الفكر؛ فلا تزال فكرة الخير والشر والظاهر والباطن والمجتمع والدين والتوزيع الثلاثي للكون حاضرة في نفوسهم وتفكيرهم. بينما الحكماء الذين وصلوا إلى النهاية فقد مسحوا كل شيء، مسحوا فكرهم من كل أثر انطبع فيه، حتى يتجردوا من كل شيء عدا هذه الخلفية.

ونسطيع أن نقول أنهم قد نجحوا في هذا الاختبار، لأنه لا يوجد أي حكيم يناقض حكيماً آخر سواء أكان في مصر أم الهند أم إيران القديمة، أم كان من حكماء المتصوفين المسلمين أو ما قبلهم، مثل الفينيقيين، وهناك الكثير من الحكماء ممن نجحوا أيضاً في هذا الاختبار ولو لم يصلنا من مخلفاتهم إلاّ النزر اليسير، كأمثال سانسيطون أو مانكيسيفيك. ورغم الفواصل الجغرافية الهائلة التي تفصل ما بين اليونان وكريت ومصر إلاّ أنه لم يأخذ أحد عن آخر. ولعله في يوم من الأيام لا يعود هناك فرق في النظريات العلمية، لأن العلماء يكونون قد وصلوا إلى تصور خلفية الوجود على حقيقتها.

ب- التصوّر والتحقق

لكن هناك فرقاً بين تصور وتخيل هذا الوجود الأخير La visuelisation  وبين فكرة تحقق هذا الوجود La realisation ، والتي لا يمكن أن تتحقق إلاّ بارتداد الفكر إلى ينبوعه، لأنه في نهاية النهايات كل شيء سيصبح لطيفاً، والفكر ينصهر مع الغرض ويصبح واحداً وتلتغي الثنائية والازدواجية. وكما يقول أحد العلماء:

“Le mecontenteement du savant doit glisser sur la fine pointe des esprit pour voir la realite la plus sure des choses. Il ne peut plus la voir par un objet materiel”.

“إن عدم اكتفاء العالم يدفعه نحو قمة الأفكار لكي يدرك الحقيقة المطلقة للأشياء. فهو لا يستطيع رؤيتها بواسطة شيء مادي”.

 فنحن نراها عن طريق هذه النخبة الخبيرة التي هي المثال للعقل المنقلب على ذاته، والذي أسميّه أنا “العقل الأرفع”، لأن الفكر عندما يتوجه إلى الخارج، إلى الاختبار الحسيّ الخارجي، يأخذ مقاييس الخارج، والمفاهيم الخارجية، الاجتماعية والفلسفية والدينية. بينما عندما يتوجه إلى الداخل فلا يستوحي إلاّ الاختبار الأصيل الدائم.

“l’unite des choses est toujours dure avec quelqu’un”.

أحادية الوجود التي لا تبطل أحاديتها مع ذاتها أبداً:

هذا الشيء نترجمه علمياً أحياناً بـ le principe de la conservation de l’unite. الطاقة دائماً واحدة مع ذاتها ولا يمكن أن تزيد أو تنقص في الكون؛ وهذا ما نترجمه بمنطلق التحليل للمنطق العقلي le principe d’ idemtite؛ لأنه دون هذا المبدأ لا يمكننا أن نفكر. فأمبيدوكل لا يخرج أبداً عن التفكير، كما ذكرنا، لأن كل الحكماء- أو غالبيتهم بالأحرى- تأثروا بفيثاغورس، لأن معلميهم كانوا من تلامذة فيثاغورس.

Pythagoras

ج- أحادية الوجود وترويض الفكر والنشاط الاجتماعي

إن مصدر الفلسفة اليونانية جاء من كريت، حيث فيها بدأوا في الحضارة قبل اليونان بـ 1500 سنة. ومن كريت جاء التطعيم الحكمي إلى مصر القديمة؛ فأول العلماء من حيث النظرية لا من حيث النفصيل وغيرها من الأشياء، عم الحكماء اليونانيون الأقدمون. فهم لم يخترعوا الالكترونيك، ولا وصلوا بالكيمياء إلى حيث هي اليوم، ولا لجميع قواعد الظواهر. لكن الفكرة عن احادية الوجود لها أهمية ضخمة، لأنها تطرد من النفس كل تفكير صنمي، بحيث يُعرى الإنسان، إذا كان عنده هذه المواجهة الأخيرة لخلفية الوجود، من كل شيء نسبي حتى يرى الحقائق كما هي: C’est une displine de l’esprit، ترويض الفكر.

وبعد ان خاض علماء اليونان هذا المخاض الصعب، الذي يلزمه ترويضاً فكرياً قوياً جداً عودة الفكر، أي la preparation، بجعل الفكر ينفصل عن أغراضه الداخلية ولو مؤقتاً، وينقلب إلى مصدره، إلى الوعي، إلى الوجود الأخير؛ المسألة صعبة جداً، كالذي بنظر إلى الميكروسكوب من الخارج ليرى ما في الداخل. وهذا الترويض  الصعب لم ينسهم مطلقاً العالم الذي من حولهم، بل على العكس، كانت حياتهم مليئة بالعمل المباشر بحيث ركزوا أكثر لمعرفة الدنيا وشؤونها وطرق التصرف فيها.

وكانت القاعدة، ان الحكيم لا ينفصل عن العمل السياسي والاجتماعي؛ فسقراط كان عاملاً في المدينة ويقوم بكل واجباته، وحارب عندما هددت اليونان بالحرب، فكان اجتماعياً ونشيطاً. وكذلك فيثاغورس، وهو من أكبر رجال العمل والنشاط البشري، فقد اضطهدا؛ واتهم سقراط انه يعمل على إفساد عقلية المواطنين، لأنه كان يعمل لارجاعهم إلى فكرة أحادية الوجود، فاتهموه أنّه يُفسد إعتقاداتهم بدياناتهم المحلية.

424

فأوّل من اكتشف جدلية التضاد القائمة بين الأشياء هم اليونان، ثمّ أنّ ماركس وانجلز رجعا إلى فكرة الطبيعة الواحدة، أي أحادية الوجود الخلفي، وإلى فكرة التناقض الجدلي التي على أساسها أسّسا نظريتهما. فنرى عند اليونان القدماء نظريات محض عصرية؛ مثلاً إحدى نظريات العالم الشهير فيديرك هول بخصوص الطبيعة، بحيث ان هناك دائماً وأبداً خلقاً متواصلاً creature spontanee وعفوياً للمادة في الكون. ولعل هذه النظرية تؤكد بشكل أكبر ما كان لديهم s’arrete jamais de fournir sa substance .la terre ne فقد تولد ذرة في احد الأمكنة في الكون بشكل متواتر، فيما قد تزول ذرات بالمقابل في أمكنة أخرى. فكان عندهم اتساع في التفكير جعلهم برون أشياء بواسطة العقل لم يتوصل إليها أرباب الميتافزيقيات الدينية، أو أرباب الفلسفة الفكرية المحضة الموجودة في الغرب.

د- الفلسفة الشرقية والغربية

الفارق بين الفلسفة الشرقية والفلسفة الغربية من هذه الناحية، هو أن الفلسفة الغربية تنطلق من مفاهيم فكرية des concepts، بينما الفلسفة الشرقية دائماً تنطلق من الاختبار لأحادية الوجود، ولهذا السبب نسميها حكمة وعرفاناً. فهذا هو العرفان الحقيقي لأنه حتى العلم يقصد في النهاية إلى توحيد العالم في شكل واحد، إلى اكتشاف العنصر الأخير الذي تخرج منه جميع الأشياء الظاهرة، وجميع العناصر. ونجد أيضاً عندهم صلة الوجود الحي الإنساني بالوجود السابق الحيواني، فهذا النوع من الأفكار نجده أيضاً في هذا التأويل:

“le sang qui beni le cauer est pensee. Tout ce qui’l vit a costruit ainsi son harmonie”.

وطبعاً هناك تنوع في التعابير في مختلف المجالات، كالنبات مثلاً، حيث تمكّن العلماء في الإتحاد السوفياتي من اثبات وجود الإحساس في بعض الازهار وعن طريق آلات متخصّصة. فالبعض يعتقد أن الأزهار لا تملك إحساساً وهذا ليس بصحيح. فأول من برهن على حساسية النبات عالم هندي شهير كان يعيش في كالكوتا حيث اخترع آلات توّصل بها إلى اكتشاف أشياء عجيبة، وهي أنه حتى أن عند النبات يوجد نوع من القلب، هناك خلايا متخصصة بدفع العصير النباتي le sucre vegetal إلى أعلى. فالبرهان على أن العلاقات التي تربطنا في الوجود هي دقيقة جداً وحساسة ولو لم ننتبه إليها، يثبت أن لا شيء يظهر دون أن يكون له تكوين ولو بدائي؛ حتى الفكر نفسه.

فعندما يتكلم العلماء الفيزيائيون عن الطاقة التي لا نستطيع أن تخرج عن نطاق القدرية في مستوى تفاعلات الجزيئات، خصوصاً في علم “الكوانتا” إذ يطلقون عليها اسم “بسي psy”؛ فهي طاقة لطيفة غريبة تخرج عن القواعد في مستوى الجزيئات إذ لا يوجد شُرعة يمكن أن نقول عنها حتمية ضمن قاعدة الأرجحية فقد تمشي الذّرة وفق هذه القاعدة وقد لا تمشي، فكأن لديها مزاج منصوص. فلماذا هذه الشريعة لا تُطبّق كلياً بل أرجحية كبيرة؟ السبب أنه في عالم المادة الجزيئية- أي عالمنا- القواعد الموجدوة لا تُطبّق، فنأتي بقواعد أخرى لتطبق هذه الشرع الكونية، كنظرية الشحنات التي تقول أن هناك شحنة، هناك انقطاع: “il y a de discontinuite de la nature” بهذا المستوى. أيضاً هناك نوع من المثال، من الحرية، أسموها “مجهول” وهي التي أسموها تحت تأثير التفاعلات الأخيرة الصغيرة “psy”. فالإسم يبقى في النهاية، لأنه لا يوجد سوى مجهول واحد. ومن هذه الناحية يقول تيلاردي شاردان، ويتبنى ذلك أكثر العلماء:

“l’etoffe du cosmose est indeffinitive: matiere- esprit”

مادة عقل، مادة فكر، فكلمة esprit تترجم إلى عدة مفردات بالعربية،ويمكن لهذا السبب، نحن نتغاضى أحياناً عن هذا التمازج الداخلي بيننا وبين الأشياء.

هـ- انصهار الجزيء بالكل

… ولعل بعض الشباب اليوم قد عادوا إلى هذا الأمر بشكل خاص كذلك عاد بعض كبار المفكرين إلى الـ cosmos باعتباره الشيء الذي لا يتجزأ. وكان الفضل الكبير في هذا لتيلار دي شاردان.. فباطن الأشياء وخلفيتها جعل هؤلاء الأشخاص يشعرون أن هناك شريعة مشتركة للكل.

318784-3x2-940x627

“la loi commune a tous a travers l’air est un rayon lion, et il peut devenir immense et s’etend infiniment”.

ونحن نعرف اليوم أن لا شيء يخرج عن الشيء الآخر في نظرية الإنصهار بين الجزيء والكل، بين جميع الكائنات والاجرام السماوية interfusion cosmique؛ ففي كل ثانية يتغير الجسم مليارات المرات، وتدخله جزيئات جديدة من حولنا. وهكذا في الكون الفسيح، فانا أشبه بالموجة، والموجة، في شكلها الظاهر واحد، لكن محتواها المادي متغير دائماً وأبداً. وهكذا الكون مكون من أشكال عبّر عنها بعض العلماء كأفلاطون بالأفكار الثابتة،  واليوم يُعبّر عنها بما يُسمّى الـ structure، والتي عبّر عنها بعض العلماء بأنها des creux، أي قوالب فارغة من كُل محتوى، فتدخلها الطاقة وتلعب فيها لفترة من الزمن.

فهذه الطاقة متغيرة دائماً… أعطي مثلاً عن هذا الاتصال الكلي من حيث المياه المالحة، فعندما نحلّل الدم مالحا لأننا نحن انفصلنا عن البحر nous sommes un paquet de mer وبقي الملح فينا. وهناك كتاب جميل جداً لبيولوجي شهير بعنوان: “l’immence voyage” يؤكد فيه المؤلف أيضاً على وحدة الحياة وعلى وحدة الوجود وراء الحياة.

هذا التفكير (interfusion cosmique) جعل الأقدمين يتصورون أن بين هذا البنى cette structure psuchosymatique التي صوّروها بأنها نقل، هناك تصوّر للتقمّص. كذلك هناك نوع من الانتقال، على شاكلة انتقال الجزيئات من شخص لآخر، ولهذا السبب كانت اليونان القديمة ومصر تؤمنان بالتقمص، وبقي الإيمان بانتقال الأرواح في المسيحية حتى منتصف الجيل السادس تقريباً؛ فعندئذٍ أقاموا مجمعاً وقرروا عكس ذلك الاتجاه الذي كان يُعرف بـ necessite الضرورة عند اليونانيين وعند غيرهم أيضاً، غير أن ترجمة هذه الكلمة باللغة العربية تبقى دون معناها الفعلي، فهي نوع من القدر الضروري، نوع من التوجيه الذي يفرض نفسه.

حضارة_مصر_القديمة

ونرى هذا الاتجاه أيضاً في الهند حيث فكرة السمسكارا التي تشكل الخطوة الأولى كونها حرّة؛ فهي العفوية الكاملة التي ستتحكم بنا فيما بعد من خلال النتائج المترتبة عليها. ولا تزال هذه الفكرة مستقطب بعض النظريات العلمية حتى يومنا هذا، فنجد فكرة الانتقال قد تناولها جلال الدين الرومي وكذلك امبيدوكل.

فكان أمبيدوكل –بشكل خاص- نباتياً لا يأكل اللحم لأنه كان يتصور أنه على أساس فكرة التقمّص يمكن للإنسان أن يأكل أخيه الإنسان.

وكان هذا التأثير موجوداً لدى فيثاغورس أيضاً حيث حرّم القتل في مذهب طريقته المتبعة.

و- تأثير الغذاء على جسد الإنسان وحواسه

 في العادات الهرمسية المنقولة إلى العربية نرى تأثير الغذاء على شخصية الإنسان. هذه النظرية الجديدة التي يقول بها اليوم الملايين في أميركا وأوروبا كانت معروفة منذ القدم، لأن الإنسان “خلق أجوف”، وكما يأكل يكون مزاجه، ولا نعني مزاجه الجسدي فقط  بل الحسيّ أيضاً. لأن الأداة الفاعلة في الفكر والناطقة به، والتعابير الخاصة به تتكون من الدّم، أو من أعصرة أخرى. وهذا دليل على أن العلماء الأقدمين لم يرفعوا أرجلهم عن الأرض التي عاشوا عليها، فقد وصلوا إلى خلفية الوجود الأخير وحققوه؛ والتحقيق هو محض اختبار. فلهذا السبب لا يمكن للإنسان أن يشرف على هذا الاختبار من خلال مجهر أو آلة، لأننا هنا نكون قد دخلنا ما يتعدى كل ثنائية. ولهذا أطلقوا على هذه الحالة اسم realization التحقق، أما النظر la voire فأسموه la visuelisation, la culture de visuesation directe. وهذا يعني أن هذه الرؤية المباشرة لا يوجد فيها غرض ولا شك، ولا مُدرِك ومُدرَكْ، لأن الذات المدركة أصبحت ذاتها الغرض؛ وعندها يستحيل الكلام صمتاً، ولكن ليس أي صمت، بل هو الصمت الواعي، أي الوعي المحض. والإنسان يستهلك بهذه الرؤية، فلا يعود هناك شاهد ومشهود، بل محض مشهود. وعندما يصبح الإنسان محض شهود فإن النفس تصمت وينتفي وجودها، إذ لا وجود للغة الثنائية عند النائم نوماً عميقاً؛ فهو لا يتصور أن للذات ظاهر، هو لا يحلم بشيء من الوجود، بل ترتسم في عينيه أجمل الصور التي يمكن أن نعطيها عن الانصهار الأخير في خلفية الوجود.

أمبيدوكل1

ز- الفرح الدائم

وإذا عاد الإنسان من هذه الخلفية الأخيرة التي وصل إليها يتصرف بالأشياء وتكون أعماله أفضل من الذين يرتكزون على ظواهر فكرهم؛ فالنفس ظاهرة فكرية ومركّب متحول دائماً وأبداً. فتكون أقدامهم ثابتة أكثر وتصرفهم اسلم لأنه لا يعود عندهم طموح، وتصبح الحياة بالنسبة إليهم مجرد لعبة لها قواعدها: “ils sont au dela de non-agir et de l’agir”، كما يلعب الإنسان التنس، أو كما يأخذ طفلاً صغيراً “ويتشتشه” فلا يكون له غاية في ذلك سوى أن يشعر بالفرح، فهو ينعم بهذه البراءة، ولهذا السبب يقولون أن الذي يصل إلى هذا المستوى هو في فرح دائم وأزلي.

وأتكلم عن نفس كتركيب فكري إذ هو مركز استقطاب للفكر في تغير مستمر. C’est le centre de poarisation de la pensee. C’est un, centre de polarization qui change perpetuellement.

وهذا المركز ناتج عن تصور خاطئ في الوجود، عن انضياف خاطئ  في الحياة، في أحدية الوجود التي تُضاف مؤقتاً للفكر، تضاف للجسم وللحواس.

لهذا السبب وراء النفس هناك أنا جوهرية لا تتغير ولا تتبدل، ولهذا السبب الاطباء النفسانيون عندما يريدون شفاء مريض ينيمونه ويجعلونه يدخل إلى أعماقه أكثر فأكثر ليعبر عن مشاعره وليخرجوا باطن الفكر الذي يؤثر عليه، فيقربونه من ذاته الحقيقية، فينفصل عن فكره مؤقتاً، وعندما ينفصل الإنسان عن فكره تزول أمراضه، حتى ولو كان مجنوناً، إلاّ إذا كان الجنون ناجماً عن أشياء ماديّة يلزمها أدوية كيميائية وغيرها.

*المصدر: كمال جنبلاط، “فلسفة العقل المتخطي فلسفة التغيير الجدليات”، الدار التقدميّة، 2003، ص: 197-207.