لبنان وازمة النازحين..

فيصل مرعي

لا شك، بأن سوريا هي السند والظهير للبنان تاريخياً. ولا شك بأن هناك تكاملاً بين بعضهما البعض. فالعلاقات بين البلدين قائمة على قدم وساق على مرّ العصور والدهور، تبادلاً ثقافياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وتجارياً، وقربى، ومصاهرة.. والاهم من ذلك، هذا المصير المشترك، خصوصاً أن ما يُصيب سوريا يصيب لبنان سلماً وحرباً. وقد أثبتت الايام ذلك، لا سيما في الشدائد والايام الحوالك. فما من احد بمقدوره ان يشك، ولو للحظة واحدة بأنهما قلب العروبة النابض، بل سيف العروبة المسلّط على نحور وصدور الطامعين والمعتدين منذ ما قبل غزوات الفرنجة، الذين ارتدوا حفاةً من على شطوط وثغور هذا الابيض المتوسط. ومن بعد قامت الثورة السورية بقيادة “سلطان باشا الاطرش”. ثورة تساوي “حطين”، يوم حقق انتصاراً مبيناً على الفرنسيين، عائدين بخفيّ “حُنين” تائهين في بطون بادية مجهولة، لم يبق من حملاتهم الا بقايا فلول من جيشهم وجحافلهم.

ولكن للأسف، سوريا لم تعد كما كانت، سوريا العروبة، والقلب النابض، بسبب انقضاض طغمة اعتلت سدة الحكم بطريقة ملتوية، وغير ديمقراطية. هذا النظام، دفع ثمن استئثاره بمقومات ومقدرات البلاد، وبسبب خنق الحريات، وهذا الظلم الاجتماعي الذي عمّ البلاد طولها وعرضها. فكان أن هبّ الشعب كل الشعب، وراح يطالب بحقوقه المشروعة، بعد ان عجز النظام من نشله من ازماته وعثراته، على كل الاصعدة والمستويات، ادى الى هذا النزوح الكبير الى جميع اصقاع الارض، تاركاً شعبه الى مصيره، وفي حَيْرَة من امره، غير دار ما المآل، وما النهاية؟ مُحملاً لبنان اثقال هذا النزوح، في وقت تأكد فيه ان اكثر من مليون ونصف المليون من النازحين يقبعون في لبنان، والباقي في الشتات، وفي غربة ونأي عن ديارهم، ناهيك عن التواجد الفلسطيني منذ عام 1949، على التراب اللبناني، ما ادى الى هذا التخبّط في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، وحتى الامنية.. لا، لا يمكن التعاطي مع هذا الملف باستهزاء واستهتار، لا سيماوان ظاهرة النزوح هذه، اصبحت واقعاً لا فكاك منها. ظاهرة لا يكفي القول: انها شكلت ازعاجاً، وخللاً في الحياة اللبنانية، خصوصاً على المستوى الاجتماعي.. في وقت يتدفق الالاف من النازحين يومياً، ويتوالد كذلك يومياً المئات من الرُضع. السؤال المطروح: ما الحل؟ لا جواب، في وقت كثير من المعنيين والمسؤولين يميّعون الحلول، بل لا موقف لهم في معظم الاحيان.

النازحين

فالخطر، الخطر آت لا محالة طال الوقت ام قَصُر. واليوم التعاطي مع هذا الملف، باعتبار ان غداً يوم آخر. فليتعاطى الجميع بالحلول الجدّية، بعيداً عن التكهنات، بكل واقعية وتؤُدة وهدوء، لا سيما بعد جملة تهديدات من بعض دول القرار باتجاه توطينهم في لبنان. وهذه الكارثة، فاقت كل الكوارث الانسانية. كارثة يدّعي البعض ان لا حلّ لها، الا بإعادة العلاقات والتنسيق مع النظام الأسدي، علماً انه لا نية له باعادتهم واحتضانهم، وكأنه غير معنى بشعبه اليائس والبائس. شعب شرّده نظام لم نشهد مثيلاً لسلوكه في مطلع هذا القرن.

في يقيننا ان النظام الذي هجر شعبه قسراً، لن يُعيده الى ترابه، ومسقط رأسه طوعاً، باعتبار انه راغب في ذلك، وباعتبار كان في اساس تهجيره خشية سقوطه، لانه كان يعلم سقوطه نتيجة ممارساته، لولا ان دولاً جاءت بقضها وقضيضها لا حماية له، بل لتأمين مصالحها الاقتصادية لا غير، فكيف يحرص على عودة شعبه، وهو مستمر في غيّه وضلاله دون رادع او وازع. انه يريد تفريغ سوريا من معظم شعبها، لكي يتسنى له ان يفعل ما يحلو ويطيب له، سواء أكان على مستوى احتضان طائفة ما او اقتلاع اخرى، والاستفراد في الحكم مع افراد جنسه، بحيث لا يعود هنالك من منازع او منافس له.

واذا كان هنالك من عودة يوماً ما، فإن ميزان العودة بالنسبة للنظام هو بقدر ما تكون تابعاً، مطأطئاً رأسك، وبقدر ما تكون طائفة معينة لا غير.

كفى تلاعباً بمصير شعب ذاق ما ذاق من ويلات وقهر، وتشريد.

كفى استدعاء مرتزقة الى ارض القداسة والطهارة. مرتزقة ستهرول، حاملة نِعالها على اقفائها في لحظة ليس بمقدورها انتعالها. فكم، وكم من دول شًلّت وفُلَّت يوم تجمعت جيوشها من كل لِشن وامة. ولم تستطع قهر شعوب فيها من الارادة، والايمان أقوى من حديدهم وترَساناتهم..

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…

حلم راود اللبنانيين .. (وأي حلم؟!)