أيها المارون… تمهلوا قليلاً!

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

تزدحم النصوص اللبنانيّة والخواطر الشعبيّة بمصطلح “مشردون”. تكثر في المقالات المحليّة، الصور والمحسنات البيانيّة التي تستخدم كلمة مشرد لرصد حالة ما. فتأتي كلمة “مشرد” لوصف مأزمٍ نفسي، أو لتخدم نصَّ وطنياً يعبّر فيه الكاتب عن تشرده الإجتماعي تجاه وطنه وبيئته. ولكن يبقى السؤال: أين نحن من المشردين اللبنانيين الحقيقيين؟ أين هي دولتنا العزيزة من تفاقم ظاهرة التشرد التي غزت وطننا ونحن في سُباتٍ عميق…

وأنا أمشي في إحدى أهم شوارع العاصمة، وأكثر المناطق إزدحاماً فيها، وقعت عيني على حركة غريبة تجري على المقلب الثاني من الطريق. توجهت مسرعاً بإتجاه الحركة، أتبع جسماً غريباً خلته أغراضاً مبعثرة على الرصيف، تنهشتها قطة أو ما شابه. مع إقترابي إلى ذاك الجسم، إكتشفت أن رجلاً كبيراً في السن، يستلقي على فرشة وتحاوطه أغراضه المفروشة على الأرض.

إقتربت أكثر، فشاهدته مغمض العينين وكأنه يحاول النوم في بيته الرصيفي، في شارعٍ بيروتي، ووسط أقدام المارين بين التسائلات واللامبالاة القاتلة.

IMG_4940
نعم هو مشرد، هو مشردٌ خرج من مقالاتنا الفارغة وصورنا الباهته فظهر نصب أعيننا ولم نره. حضر بكل ما يملك ولكننا لا نرى، أو ربما لا نريد أن ندرك بأن ظاهرة التشرد والإتخاذ من الطرقات مأوَى، قد إجتاحت مجتمعنا ولم تعد ظاهرة غريبة نجدها في المجتمعات الأجنبية عند سفرنا والتجول في الشوارع الأوروبية ومدن العالم.

لا تقف هذه الظاهرة عند هذا الحدّ، بل تجتازه لتتمثل بتشردٍ من نوعٍ خاص، ألا وهو تشردّ المسنين الذي أثبت أنه أكثر أنواع التشرد، وجوداً في لبنان بحسب دراسات لا يستهان بها نُفذت من قبل علماء في علم الإجتماع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تواجد المشردين على قارعة الطرقات اللبنانيّة، يعود لسببين: غياب مؤسسات حكومية تستقبل المشردين وتهتم بهم  وتوفر الأمن الاجتماعي لهم، وعدم توفر الوعي لدى هؤلاء بضرورة الإلتحاق بالمؤسسات التي توفر الدعم والمسكن اللازمين.

كما وتجدر الإشارة إلى أن دولتنا الكريمة تقوم بتغطية القسم الاكبر من تكاليف الايواء والطبابة والرعاية للعجزة عبر تسديد مبالغ مالية عن كل عاجز تحتضنه مؤسسة راعية، بعد ان تقوم هذه الاخيرة بتقديم طلب بذلك الى الوزارات المختصة وذلك وسط غياب أي مؤسسة حكومية تعنى بإستقبال المشردين وإيوائهم.

فالدولة بمؤسساتها الحكومية، تتجاهل هذه الظاهرة فتترك المشردين قابعين بين الشوارع النتنة حيناً والمتألقة أحيان. تتركهم في ضياعٍ مميت، أو ترميهم في أحضان المؤسسات غير الحكومية التي تتبع مصالحها الخاصة فمعظمها لم تستحِ من مذهبتِ التشرد فتعيد إنتاج ثقافة التمييز الطائفي..

إلى أن تستفيق الدولة، نترككم مع المشاهد المؤلمة للمشردين، رجاءً لاحظوها، رجاءً أغيثوهم، رجاءً تحركوا لإيقاظ النائمين من السياسيين، أم المشردين فلا تُوقظوهم، لعلهم يحلمون بنومة مريحة أو بمنزلٍ خالٍ من أصوات طرَقاتِ نعال المارين غير الآبهين.

(أنباء الشباب، الأنباء)