جنبلاط: فتح الباب للشباب والتغيير

منير الربيع (المدن)

مساع حثيثة لإعادة وصل ما انقطع بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. وسطاء كثر يعملون على إصلاح ذات البين، وقد توِّج ذلك بالاتصال الهاتفي الذي اجراه البيك بالحريري لكسر الجليد وتخفيف حدة التوتر. كل الحسابات يجب أن ترتقي للابتعاد عما هو شخصاني، أو مصلحي ضيّق. من يلتقي جنبلاط يخرج بانطباع أن الرجل يفضل المهادنة والتسوية إلى اقصى الحدود، الأوضاع لم تعد تحتمل مواجهات، ولا حتى هناك قضايا تستحق بذل الجهد والاصطفافات الحادة. الدورة السياسية في العالم تسير على خطين، حروب عبثية ودمار وهدم، تقابلها تسويات ومساومات. لذلك، يفضل السير بالتسوية سلمياً على أن يتم اللجوء إليها بعد تدمير البلاد والعباد.
منذ سلّم جنبلاط لنجله تيمور مسألة متابعة شؤون المواطنين في بيروت والجبل، كان واضحاً أنه يريد أن يرتاح، ولم يعد يقوى على الاستمرار في كل المتابعات التفصيلية. يفضل الهدوء السياسي على الصخب، خصوصاً في ظل الأوضاع المشتعلة في المنطقة. وعلى هذا الأساس، يسير جنبلاط منذ ذلك الوقت، مروراً بالموافقة على التسوية الرئاسية الكبرى التي أخرجها الرئيس سعد الحريري بعد إصرار حزب الله على ميشال عون مرشحاً وحيداً. ولا شك في أن موازين القوى المحلية والاقليمية من وجهة النظر البعيدة عن لبنان هي التي انجزت هذه التسوية ودفعتها نحو النجاح.
ثمة من يتخذ من هذه التسوية عبرة لكل الاستحقاقات. وهذه العبرة هي الذهاب نحو التسويات عوضاً عن المواجهات. وذلك ما يريد جنبلاط فعله مع الجميع، قبل الانتخابات النيابية، التي تفرض توحد جميع الافرقاء في عدد من المناطق لمواجهة القانون الجديد والمعقد وافرازاته.
للقانون مفاجآت، وفق ما ينقل قريبون من جنبلاط، فهو سيؤدي إلى وصول وجوه جديدة على الساحة السياسية، لأن الناس تريد التجديد، وضخ دم جديد، فالتغيير يقضي بتغيير الوجوه التقليدية التي تستمر في حكم البلد منذ أربعين عاماً. عليه، فإن جنبلاط ينطلق من ذلك في مسألة حسم ترشيح تيمور، لمحاكاة هموم الشباب، ولتوفير رؤية تجديدية في السياسة اللبنانية، تولي الأهمية للشباب. وما يسري عليه سيسري على غيره من النواب، إذ تعتبر المصادر أن هناك عدداً من الوجوه سيتم استبدالها، منها لمصلحة محازبين ومناصرين أو أصدقاء، وأخرى قد تفرض التحالفات التخلي عنها، فلا يمكن الاستمرار بالشكل القديم والتقليدي.
أكثر ما يشغل بال جنبلاط هو الوضع المالي والاقتصادي. ومن يبحث معه في هذه المسائل يرى أنه يوليها اهتماماً خاصاً، لاسيما أنه لا يخفي تخوفه من حصول انهيار مالي قد يصيب الليرة والدورة الاقتصادية برمّتها. وهذا التخوف ينبع من حجم الانفاق بدون توفير إيرادات مقابلة، وعدم ايجاد توازن في ميزان المدفوعات، مقابل غياب أي خطط اقتصادية وتنموية تؤدي إلى سد هذا العجز، خصوصاً أن المنظومة الاقتصادية القائمة على القطاع الخدماتي منذ التسعينيات قد انتهت، ويجب البحث عن مقومات جديدة. وهذا ما يجب تلقفه بحسب جنبلاط، والذي يفرض على الجميع التكاتف لمواجهته، وهو ما يفرض التسويات لإيجاد حلول سريعة، لأن الناس قد كفرت.
وتنسحب رؤية جنبلاط التسووية الداخلية على الخارج، وسط كل ما يجري في الاقليم، من تصعيد في مكان وتسويات في أماكن أخرى. وعلى هذا الأساس، أراد رئيس اللقاء الديمقراطي إعادة إصلاح ذات البين بين المختارة وموسكو، والعلاقة التي تتجذر منذ سنوات عديدة، ورثها هو عن كمال جنبلاط منذ خمسين عاماً. لذك، أراد إعادة وصل ما انقطع، وتوفير كل الظروف السلسة لانتقال عمق هذه العلاقة منه إلى تيمور، لما لروسيا من دور كبير في المنطقة، ولاسيما في سوريا.
لا يخفى أن جنبلاط يريد تعميم مفهوم التسوية في الاقليم خصوصاً بين الدول الاقليمية المتصارعة، لأن المواجهات لم تعد تنفع، وهي استنزاف للدول والشعوب، معتبراً أن الحل الوحيد في المنطقة هو الحوار، وإن اقتضى ذلك تقديم تنازلات قاسية، لاسيما في ظل الهجمة الاميركية على المنطقة، والدخول الإيراني بقوة هذه المرة عبر العراق وسوريا ولبنان جغرافياً. وهذا ما يأمل أن يتحقق، لاسيما في سوريا، بهدف حقن الدماء، والاتفاق على المناطق الآمنة لعلها تكون مقدّمة لإعادة اللاجئين إلى المناطق غير المدمّرة، أما المناطق المدمرة فستكون عرضة لتناتش الشركات الكبرى. وفي غمرة الاشتباك اللبناني على مسألة التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لإعادة اللاجئين السوريين، يعتبر جنبلاط، وفق المصادر، أن التنسيق الامني موجود أساساً، وهناك احكام للجغرافيا لا يمكن الخروج عنها.