كيف تساوي ٣٤ بالمئة ٥٠ بالمئة؟

وهيب فياض

ان معادلة إيصال خمسين بالمئة من عدد النواب باصوات ٣٤ بالمئة من أصوات الناخبين هي معادلة مستحيلة في علم الحساب الانتخابي، الا اذا كان صوت كل ناخب مسيحي يعادل صوتاً ونصف الصوت للناخب المسلم.

حسابيا هذا امر مستحيل، ودستورياً هذا امر مخالف للدستور، ووطنيا هذا فرز غير مبرر للناخبين المفترض انهم مواطنون متساوون في كل الحقوق بما فيها حق تسمية من يمثلهم .

عندما اطلق الرئيس الشهيد عبارته الشهيرة (أوقفنا العد)، كان يستشرف الأيام القادمة، اذ ان اتفاق الطائف نص على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في عدد المقاعد النيابية. والمناصفة في الأساس هي جوهر ميثاق ١٩٤٣، وقد كرست اَنذاك، وجاء دستور الطائف ليصر عليها.

واذا كانت الحرب اللبنانية السيئة السمعة، ومن ضمنها حربي “التحرير” و”الإلغاء”، قد ساهمت الى حد كبير في هجرة الكثير من اللبنانيين، وبالأخص من المسيحيين، وجعلت المسيحيين لا يتجاوزون الأربعة والثلاثين بالمئة من تعداد السكان، فإن الحفاظ على المناصفة واصرار المسلمين عليها بقدر اصرار المسيحيين وربما اكثر، ما هو الا تعبير عن الرغبة في العيش المشترك، والانصهار الوطني، تمهيداً لالغاء الطائفية السياسية  دون اي احساس بالغبن لدى اي مكون من مكونات الوطن.  كما ان القبول، بل والترحيب، بوصول رئيس مسيحي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، ما كان ليحدث لو ان احد مكونات الوطن بقي رافضا للامر.

صحيح ان اصرار “حزب الله” على الوفاء بالتزامه تجاه فخامة الرئيس ميشال عون كان الرافعة لانتخابه، لكن هذه الرافعة كانت ستبقى قاصرة، كما بقيت لأكثر من سنتين عن تحقيق هدفها، لولا موقف الرئيس الحريري بالتفاهم مع وليد جنبلاط، وعدم ممانعة الرئيس بري  رغم بقائه في خانة الداعمين لسليمان فرنجية.

اذا كان وصول فخامة الرئيس الى كرسي الرئاسة قد حقق مطلبا مسيحياً مشتركاً بين “التيار” و”القوات”، الا انه لا يعبر بالضرورة عن الاقتناع العام، بل يعبر عن رغبة في القول ان المسيحيين في لبنان حاجة وطنية وليسوا حاجة طائفية، او زيادة عددية، وان اللبنانيين جميعاً يحمون التنوع بأهداب العيون.

اما ان يعرف الحبيب مقامه فيتدلل فهذا امر اخر، ذلك ان للدلال حدوداً، حتى ولو كان دلال أعز الناس كمثل الابن الوحيد على والديه، لأنهما لن يسمحا له بان يقوده دلاله الى ما لا تحمد عقباه في المستقبل.

ان اصرار بعض المسيحيين، وأقول البعض، مستثنياًً موقف البطريرك الراعي التاريخي، ومواقف قيادات مسيحية هامة، ان اصرار هذا البعض على إيصال خمسين بالمئة من النواب بأصوات أربعة وثلاثين بالمئة من الناخبين هو نوع من الدلال غير المحمودة عواقبه آنياً ومستقبلياً.

آنيا يقودنا هذا الإصرار الى أزمة قد تبدو في ظاهرها دستورية، الى ان يكتشف من يصر عليها انها أزمة وجود وطن وكيان وعيش مشترك. اما مستقبليا، فهي تشكل في الوعي واللا وعي لمجمل اللبنانيين  بمن فيهم المسيحيين غير الموارنة، هاجس كونهم أصبحوا رهينة في يد من يعتبر وجود الرئيس الماروني القوي يبيح الدلال الى ما لا نهاية، ولو كان فخامته وبطريرك الموارنة معه معارضين كما الأبوين لهذا الدلال. ان استيلاد النواب من رحم طوائفهم سيجعل المشهد اللبناني اقل من وطن بل اقل من “فدرالية” او حتى “كونفدرالية”، بين طوائف لا يجمع بينها الا الأسر على ارض لا يستطيع احد العيش دونها، ثم من قال ان النائب الذي لا تستولده طائفته  يسقط عنه حق تمثيلها او يقع عليه الحرم من طائفته لان الجميع اختاروه من داخل وخارج الطائفة.

عندما استولدت اليسار  مدينة قرطاجة من جلد الثور بحنكة وحرفية وذكاء، أقامت على هذا الجلد بعد ان مزقته مدينة اعتقدت انها مملكة، ولكنها بقيت في نظر من سمح لها بقص جلد الثور احتراما لذكائها، مجرد مدينة في مملكة لا بد ان تذوب يوما في محيطها، وها هي “قرطاجة” المملكة تصبح مجرد رواية تاريخية.

أربعة وثلاثون بالمئة، لا تستولد خمسين بالمئة، الا بالشراكة والمحبة، وبدونهما فالمولود مشوه والام تلفظ انفاسها الاخيرة. ان الحفاظ على الانصهار الوطني، يجنب النائب ان يقع أسيراً لمن انتخبوه اذا كانوا فقط او بأكثريتهم الساحقة من طائفته،  وان يصبح خصماً لابناء دائرته من بقية الطوائف.  ذلك ان النائب المنتخب من طوائف مختلفة، يبقى ممثلاً لطائفته ولكنه محصن بدرع وطني يفتقده من استولدته طائفته فتسقط مناعته الوطنية لصالح التطرّف الطائفي.

(الأنباء)

 

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!