بعيداً عن الضجيج السياسي: قراءة دستورية هادئة في قرار تأجيل إنعقاد مجلس النواب

ريما صليبا

عشية ذكرى الحرب الأهلية في لبنان وفي خطوة لنزع فتيل الازمة، وافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على تأجيل الجلسة التي كان دعا اليها، بناءً لقرار  رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على اعتبار أن الدستور اللبناني أعطى الأخير هذا الحق.

عفواً ولكن… للوهلة الأولى يستغرب القارئ بأن استجابة الرئيس بري تعتبر تنازلا من قبله ولكن بقراءة دقيقة للدستور اللبناني يعي أن هذا الموقف هو إمتصاص لأزمة على حسابه.

فقد نصت المادة 54 من الدستور حرفياً على ما يلي:

“مقررات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصّون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة”.

اما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة.

هذه المادة نصت بشكل واضح على عبارة  “المقررات”، بالتالي فان قرار تأجيل إنعقاد المجلس لمدة لا تتجاوز الشهر هو قرار يخضع لآليات المادة 54 من الدستور، مما يعني وجوب إشتراك رئيس الحكومة، على الاقل بالتوقيع معه على القرار المذكور، وهذا الأمر لم يحصل.

أيضاً المادة 53 من الدستور عددت الصلاحيات الاساسية لرئيس الجمهورية، وقد حرص المشرع الدستوري في هذه المادة أيضاً على النص بشكل واضح وجلي على الاستثناءات التي تسمح للرئيس بالتوقيع منفرداً على المقررات والمراسيم، مما يعني أن ما لم يستثنيه المشرع بالنص يلزمه توقيع الى جانب توقيع لرئيس الجمهورية.

فالفقرة الثالثة من المادة 53 من الدستور تنص على:

  • يصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً.

أما الفقرة الخامسة من المادة عينها فتنص:

  • يصدر منفرداً المراسيم بقبول إستقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.

أما ما تبقى من فقرات هذه المادة، لا سيما تلك المتعلقة بالمقررات والمراسيم، لم تحمل عبارة “منفرداً” أو أية عبارة أخرى تفيد المعنى عينه.

عليه إذا أردنا أن نقرر ما إذا كان لرئيس الجمهورية حق إتخاذ قرار بتأجيل إنعقاد مجلس النواب لمدة شهر منفرداً، ما علينا إلا مراجعة نصوص الدستور وفهمها وفهم مقصد المشرع منها، حيث حرص الدستور أن ينص على الاستثناءات في المادتين المذكورتين. واعتقد أن البطريرك الماروني ما بشارة بطرس الراعي وعى لهذا الأمر، فوجه شكره إلى الرئيس بري مقدراً موقفه.

بالطبع لا يمكن لهذا الأمر أن يلتبس على رئيس مجلس النواب، فخبرة الرجل غير متأتية من كونه رئيس السلطة التشريعية فحسب إنما أيضاً لتعمقه في الدستور، وهذا الأمر يشهد له الجميع دون إستثناء.

الأخطر أن ثمة سابقة دستورية قد سجلت في هذه الخطوة (أي التوقيع الإنفرادي لرئيس الجمهورية) وسيكون لها تبعاتها. فهل من المسموح أن يطيح التصعيد السياسي والتلويح بالانفجار السياسي أو الأمني بالدستور والقوانين؟

(الأنباء)