أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

مجموعة من التساؤلات طُرحت بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيس الاتحاد الأوروبي الذي يضم حالياً 27 دولة، من هذه الأسئلة: هل إن الاتحاد مُهدد بالتفكُك بعد الخروج البريطاني؟ وهل هناك أسباب موضوعية تفرض استمرار الاتحاد؟ وهل إن أسباب الوحدة مازالت قائمة؟
في ندوة متخصصة نظمتها بعثة الاتحاد الأوروبي والسفارة الإيطالية في بيروت بتاريخ 29/3/2017 حول مستقبل الاتحاد الأوروبي؛ قال مدير عام المعهد الجامعي الأوروبي السفير فينتشنزو غراسي: إن العوامل التي أدت إلى نشوء الاتحاد الأوروبي متوافرة كما كانت عند مرحلة التأسيس، وإذا سقط الاتحاد سقط الأوروبيون من المعادلة الدولية، وعلى عكس ما يرى البعض فإن مهام إضافية منوطة بالاتحاد قد أُضيفت إلى مهامه السابقة، ومنها خصوصاً موضوع مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب.
ومما لا شك فيه أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي سيترك بعض الأثر في مكانة الاتحاد، لكن نتيجة الاستفتاء البريطاني الذي حصل في يونيو/حزيران 2016 لم تكن حاسمة، ولم تحمل دلالات قاطعة على إرادة الخروج – بصرف النظر عن المفاعيل القانونية التي تُلزم الدولة بالخروج – ذلك لأن الذين صوتوا لمصلحة الخروج كانوا 17,4 مليون ناخب مقابل 16,1 مليون صوتوا ضد هذا الخروج، أي أن هناك ما يُشبه التعادل في إرادة البريطانيين، وليس هناك إرادة جامعة تؤيد الخروج. ولن نأخُذ في هذا المجال تحليل التوزُّع الجغرافي للناخبين، بحيث كانت أغلبية الذين أيدوا الخروج من سكان الأرياف، وأغلبية الذين أيدوا البقاء من سكان المُدن، وعادة ما يَغلُب مستوى الاهتمام، والتفاعُل السياسي مع مثل هذه الأحداث عند أبناء المُدن الكبرى على أبناء الأرياف، نظراً لقدرة الاكتفاء الذاتي التي يتمتع بها أبناء الأرياف الذين لا يهتمون بدرجة عالية للتواصُل الخارجي، علماً إن النزعة الاستقلالية في بريطانيا أكبر بكثير من هذه النزعة في الدول الأوروبية الأخرى.
قمة روما التي عُقدت في 25 مارس/آذار 2017 بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيس الاتحاد؛ كانت قاطعة في التأكيد على إرادة الاستمرار في واحة الوحدة. ولجأ زعماء الدول ال 27 الأعضاء إلى توقيع وثيقة خطية، تتألف من 66 صفحة؛ تؤكد العزم في الاستمرار بهذه الوحدة، وبالعمل المشترك لمواجهة الأخطار المُحدقة بأوروبا، لاسيما موضوع الهجرة غير الشرعية، والتعاون الأمني الذي يحفظ الاستقرار، وفي تأمين مستوى لائق من التقديمات الاجتماعية، والضمانات الصحية، وفي دفع النمو الاقتصادي، وكل ذلك لا يمكن تحقيقه بجهود محلية، بل يحتاج إلى تعاون، ووحدة في المعايير.
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، قال أمام القمة إنه «على قناعة بأن الاتحاد سيحتفل بعيده المئة بعد أربعين عاماً»، في ردّ على المُشكّكين في مُستقبل الاتحاد.

ويرى بعض المتابعين، أن تنامي حالات التطرّف، أو (الشعبوية) هي أكثر ظاهرة تُهدد الوحدة الأوروبية، لكون الأحزاب القومية اليمينية تُطالب بالعودة إلى صيغة الكيانات القومية، أو الوطنية لحماية أوروبا من أمواج الوافدين من الخارج، الذين قد يُغيرون من التركيبة الديموغرافية في بعض الدول الأوروبية. ولا تخفي القوى المتطرّفة في فرنسا وإيطاليا والنمسا وهولندا نواياها الانفصالية في سياق حملاتها الانتخابية.
أما البعض الآخر من قادة الرأي، فيرى أن تنامي نفوذ القوى اليمينية ليس بالضرورة موجهاً ضد الوحدة الأوروبية، لأن النماذج العنصرية لا يمكن أن تعيش مُطمئنة في عصر التطور والمعلوماتية الذي نعيشه اليوم، وهي (أي هذه القوى) مُلزمة بأن تبحث عن صيغ من التعاون والاندماج لتحمي ذاتها، لأن الانكفاء لا يؤمّن ديمومة. وهذا ما قاله السفير الإيطالي في بيروت ماسيمو ماروتي، أمام الندوة المُتخصصة المنوه عنها أعلاه.

وفي سياق التساؤلات التي تُطرح حول حجم تأثير الأوروبيين في مجرى السياسة الدولية، يؤكد المهتمون استحالة استمرار هذا التأثير فيما لو انفرط عقد الاتحاد. وإذا كان بعضهم غير راضٍ على المكانة الأوروبية اليوم، فإن ذلك لا يعني أن هذه المكانة ستُستعاد عن طريق العودة إلى نموذج الكيانات الوطنية المُستقلّة. فمُقاربة عدم الرضى عن الأداء الأوروبي على المستوى الدولي العام؛ لا يمكن علاجها إلا من خلال تطوير صيغ التعاون الأوروبية، وتفعيلها، ودفع مستوى النمو الاقتصادي، ومساعدة الدول الفقيرة على حل مشكلاتها الاجتماعية والأمنية، لأن هذه، وتلك تُعتبر من أهم دوافع الهجرة التي تؤرّق الأوروبيين.

ويبدو عزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كبيراً في الحفاظ على الوحدة. وفي جوانب مُحددة بدا أن صدمة الخروج البريطاني فعلت فعلها المُعاكس، وزادت من صلابة تماسك الدول الأوروبية المتواصلة ترابياً. والخُطب التي أُلقيت في قمة روما في ستينية الاتحاد؛ كان فيها حماس أكثر للوحدة من خطب القِمم السابقة، وما أثارته بعض التصريحات اليونانية والإيرلندية من عتب، أو تهديد؛ لا يعدو كونه نداء استغاثة لمطالبة الدول الأوروبية الغنية بمساعدة هذه الدول التي تعاني مُشكلات اقتصادية كبيرة.

هل تكون إرادة زعماء الدول الأوروبية الذين اجتمعوا في روما لإحياء ستينية الاتحاد في وادٍ، وإرادة الناخبين الأوروبيين في عدد من الدول التي تتحضَّر للانتخابات في واد آخر؟ إن النتائج التي يترقبها العالم هي التي ستُجيب عن التساؤلات الكبرى التي تتناول مستقبل الاتحاد.

 

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية

قراءة هادئة في نتائج الاستفتاء البريطاني