حراك من نوع آخر في شرق المتوسط

د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

بينما تغرق دول في شرق البحر الأبيض المتوسط، في الهموم، وفي الدماء، وفي التناقضات، وفي موجات التفجير الإرهابية، ويطل الموت قاتماً من بين الأنقاض في المدن السورية، كما يستفحل الإرهاب في مدن تركية ومصرية أُخرى، وتعيش الأراضي الفلسطينية المحتلة اعتداءات يومية على يد المحتل «الإسرائيلي»، ويدور لبنان حول ذاته في النقطة الواحدة، بحثاً عن جنس الملائكة بين المقاربات المتناقضة التي منها ما يدعوه إلى الحياد، ومنها ما يدعوه إلى الانخراط في اتون الموت المجاور. بين كل هذه وتلك؛ تعيش دول متوسطية أخرى رغد الاستقرار، وتبحث عن شراكةٍ مثالية واستثمارية، كأنما الوضع على أحسن حال.
في 8 نوفمبر/كانون الثاني 2016؛ عُقد في القدس الغربية المحتلة اجتماع بين رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، ورئيس وزراء اليونان الكسيس تيبراس، ورئيس الجمهورية القبرصية نيكوس اناستاسياديس، هو الثاني بينهم، بعد الاجتماع المُماثل الذي عُقد في العاصمة القبرصية نيقوسيا في 2016/1/28.

في حركية هذا النوع من الاجتماعات دلالة واضحة على التوجهات المنفعية والاستثمارية التي تصبوا إليها الدول المتوسطية الثلاث، مستفيدة من الاوضاع المضطربة التي تحيط بهم، ومن القلاقل التي تنتشر في الدول المحيطة الأخرى، رغم أن الدول الثلاث الآنفة الذكر؛ تعاني صعوبات اقتصادية واسعة، خصوصاً اليونان.
وقعت الدول الثلاث في القدس الغربية على اتفاقية تشمل التعاون في مجال الطاقة، وفي مجال الوصل الكهربائي بينهم. والاتفاق بين الدول الثلاث جاء بعد عودة العلاقات بين «إسرائيل» وتركيا. وهذه العودة أثارت مخاوف لدى الجانبين، اليوناني والقبرصي، نظراً لما هو عالق من مشكلات بينهما وبين تركيا، خصوصاً حول الجزء الشمالي من قبرص التي تخضع للنفوذ التركي، وحول حقول الغاز التي تتداخل بين حدودهم البحرية، لاسيما بين قبرص وتركيا.

الأبرز من كل ما أُعلن في الاتفاقية الثلاثية بين أثينا ونيقوسيا و»تل أبيب»؛ كان تصريح نتنياهو بُعيد انتهاء القمة، وهو أن الدول الثلاث اتفقت على إنشاء قوة عسكرية للطوارئ لمواجهة الأخطار التي قد تواجهها، بما فيها مواجهة نتائج الكوارث الطبيعية والهزات الأرضية، مستغلاً ما حصل من حرائق واسعة طالت معظم أراضي «إسرائيل» للدلالة على أهمية إنشاء هذه القوة المشتركة.

الخبث والعدوانية «الإسرائيليان» دائماً ما كانا يخفيان أهدافاً مغايرة لما تُعلنه، والقوة التي ستُنشأ لمواجهة الكوارث الطبيعية؛ قد تُخفي نوايا أُخرى، منها التدخل العسكري «الإسرائيلي» لحماية الاستثمارات النفطية والغازية التي تقوم على اراض متنازع عليها إلى الشرق من جزيرة قبرص، على مقربة من حدود قبرص الشمالية ولبنان، وإلى الجنوب من قبرص بالقرب من حدود المياه الإقليمية المصرية.

تركيا ولبنان ومصر تحتج على عمليات التنقيب «الإسرائيلية» والقبرصية بالقُرب من حدودها، ووسائل إعلام متعددة نقلت الأسبوع الماضي أخباراً عن نشر 20 ألف جندي «إسرائيلي» في قبرص لحماية عمليات التنقيب التي تقوم بها شركات «إسرائيلية» في المياه الإقليمية للجزيرة القبرصية. وبصرف النظر عن دقة المعلومات المتناقلة، إلا أن مثل هذه الأخبار تؤشر على نوايا «إسرائيلية» لها أبعاد عسكرية.

التقارير الصادرة عن كبرى الشركات العالمية التي تتعاطى في موضوع النفط والغاز؛ تقول إن منطقة شرق المتوسط تحتوي على ثروات نفطية كبيرة، وهي خامس أهم مكان في العالم من حيث احتوائه على مخزون الغاز الذي يقدر بما يزيد على 3700 مليار متر مُكعب. وهذه الثروات تقع في المناطق التي تتداخل فيها الحدود المصرية والفلسطينية والقبرصية (اليونانية والتركية)، و«الإسرائيلية»، واللبنانية، والسورية، واستخراج هذه الثروات يحتاج الى استثمارات مكلفة، نظراً لوجودها في أعماق بعيدة عن سطح البحر.

السلطات «الإسرائيلية» بدأت مبكراً بالعمل على استخراج الغاز، والنفط على درجة أقل، ومن المتوقَّع أن تبدأ بتصدير الغاز الطبيعي إلى الدول المجاورة في العام 2017، خصوصاً لأراضي السلطة الفلسطينية، والى مصر والأردن، اللذين يبحثان عن مصدر طاقة أقل تكلفة، خصوصاً أن أنابيب نقل الغاز إلى مصر والأردن موجودة.

الطموحات «الإسرائيلية» كبيرة، وهي تبحث عن طريق آمن لتصدير الغاز إلى أوروبا في المستقبل، عبر المياه الإقليمية القبرصية واليونانية، برغم أن سلطات «تل أبيب» تفاوض مع السلطات التركية لإنشاء هذا الخط عبر تركيا، إذا ما سمحت لها الظروف بذلك.

رؤساء وزراء اليونان «وإسرائيل» والرئيس القبرصي؛ اتفقوا على عقد لقاءات قمة دورية لتطوير التعاون الاستراتيجي فيما بينهم، الذي قد يأخذ أشكالاً متعددة ومختلفة، بينما نرى الدول العربية التي تقع في الإقليم الجغرافي ذاته؛ تتخبط في مشكلاتها الأمنية والسياسية، وهي تملك مقدرات بشرية كبيرة، ومخزونات نفطية وغازية هائلة.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الاماراتية)

قمة اللقاءات الجانبية

إشكالية تعطيل الحكومة اللبنانية

أفغانستان والديمقراطية والتفجيرات

صعوبات جديدة أمام السياسة الروسية

روسيا وألمانيا والمصالح الاستراتيجية

الاتحاد الأوروبي وملفات المنطقة

قمة هلسنكي والمخاوف الأوروبية

مستقبل لبنان بعد الانتخابات النيابية

الإعلان العربي لحقوق النساء من ذوي الإعاقة

الانتخابات الإيطالية وضباب القارة الأوروبية

الأسبوع الآسيوي – الأميركي

في حجم تأثير الأوهام السياسية

تغييرات في نمط العلاقات الدولية

إعادة خلط الأوراق في بلاد الشام

الأسرى الفلسطينيون والجرائم الدولية الموصوفة

العدالة الدولية عندما تصطدم بالسياسة

أسئلة بمناسبة ستينية الاتحاد الأوروبي

ميونيخ 2017: مؤشرات مُختلفة

عن تطور العلاقات السعودية – الصينية

قراءة هادئة في نتائج الاستفتاء البريطاني