عن التطرف والتعصب والإلغاء!

وهيب فياض

قد يكون الانسان علمانيا او ملحداً او كافراً او مؤمناً، وبمعزل عن رأي اي منا في الكفر والالحاد والإيمان، وعن كون حرية المعتقد مكفولة في شرعة حقوق الانسان، وفِي الدساتير والقوانين، فقد تتقاطع في أحيان كثيرة، أهداف اي من هؤلاء مع أهداف الاخر أياً كان اعتقاد كل منهم ايمانا او الحادا او كفرا.

وقد يكون هذا التقاطع في الأهداف حول هدف هامشي، او جوهري او مبدئي او وطني او قومي، بحيث ترى العلماني والملحد والكافر والمؤمن متوافقين بل ومتماهين، حول هدف او موقف من امر وطني.

 كل هذا ممكن الحدوث، طالما كان الجميع في موقع النضال والتضحية في سبيل القناعات وفي مجابهة نفس القوى المعادية لهم في الهدف الذي يتفقون عليه. المحظور الوحيد الذي يقع فيه المتقاطعون على الأهداف السياسية، او الوطنية، هو كون احدهم او اكثر، جماعة كلية العقيدة تهدف للوصول الى السلطة، والغاء الآخرين، وفرض عقيدتها على المجتمع كله، بحيث لا تقبل التعدد في حال استلامها للحكم، فكل من لا يوافقها بالكامل وبدون انتقائية، يصبح عدوا يجب الغاؤه.

 بعد انهيار الأنظمة الشيوعية، وتراجع قوة العقائد الكلية، أصبحت بعض التنظيمات الدينية، على رأس القوى الشمولية العقيدة، الإلغائية الهوى، مع استثناءات، فاعلة فكرياً، رغم ضعفها البنيوي، قياساً على القوى الشمولية.

الاتحاد السوفياتي1

 ان اي حزب او حركة، يجعل من نظرته الكلية عقيدة، واستراتيجية وأيديولوجيا، يضع نفسه في ضفة التعصب والتطرف، سواء حسنت النوايا او ساءت، وسواء مر في مراحل من الانفتاح وقبول الاخر، او في مراحل الاتفاق المرحلي مع سواه، ولو طالت هذه المراحل.

 لان هذه الجماعات، ما ان تصل الى الحكم، وتمسك بالسلطة حتى يصبح لزاما عليها، تطبيق استراتيجيتها وعقيدتها وايديولوجيتها، بالكامل ودون انتقائية، بعد ان زال المانع من ذلك فما هو مصير من تقاطع معها، فأوصلها الى السلطة بالتبعية او بالمساندة او بالمهادنة.

 ان وصول جماعة الغائية للاخرين بحكم العقيدة الكلية، الى السلطة، وامتلاكها الجبروت الذي لا يقاوم، هو نقيض التعددية، وحرية الرأي والمعتقد، ومن يخالفها الرأي، ولو كان ممن جعلوا ظهورهم جسراً لعبورها، سيكون اول ضحاياها.

ألم يكن هذا حال اهل العراق، مع حكامهم تحت شعارات براقة منذ سقوط النظام الملكي، وحال المعارضة المصرية لنظام حسني مبارك مع الاخوان المسلمين، وحال معارضي الاحتلال الروسي مع طالبان بعد انسحاب الجيش الروسي، وحال مجموع معارضي الاستعمار البريطاني ومن ضمنهم غاندي مع من قسموا الهند الى دول تعاني من الدكتاتورية بعد الاستقلال، وحال معارضي نظام الشاه بعد إسقاط الثورة الإيرانية لنظامه وحال المعارضة السورية مع الإسلاميين المتطرفين، حينما اصبح اكثر من نصف سوريا بيد المعارضة.

%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9

 ان مساندة اي جماعة كلية العقيدة، ليس فيها مكان للاخر، حتى ولو كان تمايز هذا الاخر معها جزئيا او في التفاصيل، ودعم وصولها الى القوة المطلقة او السلطة الشرعية الكاملة، هو انتحار مجاني، بلا سبب، وبلا هدف، من حالمين مثاليين، يختلط عليهم، الفرق بين التقاطع في هدف ما، وبين إلغاء النفس تحت وطأة قوة مفرطة، سهّل هو انتصارها لتهزمه وتلغيه.

 ان التعددية الحزبية في مجتمع ما، هي ضرورة ديمقراطية، بما فيها الأحزاب والجماعات التي تستلهم من الأديان السماوية أخلاقها ومبادئها، وتسعى الى ان يكون ممثلوها في السلطة مثالا لهذه الأخلاق والمبادئ، فهذا امر يغني الحكم والسلطة والمؤسسات الرسمية، بمن يجسد القيم الدينية ذات الوجه الإيجابي الخيِّر، بشرط الا يكون فكر هذه الأحزاب، الغائيا، لا يقبل الاخر.

 من اهم أسس الحفاظ على التعددية والديمقراطية في وجه محاولات الوصول الى الدكتاتورية والغاء الاخر، ان لا تتماهى اي جماعة سياسية مع جماعة كلية العقيدة، الغائية الهوى، مهما بلغت درجة الاتفاق مع هذه الجماعة على هدف ما، ومهما كانت قيمة هذا الهدف الوطنية والقومية، بل من واجب اي جماعة سياسية تهدف الى المشاركة في الحكم، لا الى احتكاره، أيضاح نقاط اتفاقها، ونقاط اختلافها مع غيرها، للحفاظ على التعدد الديمقراطي اما الداء الذي لا دواء له، فهو الاستقواء بالالغائيين، اذا استفحلت قوتهم، على إلغاء الخصم السياسي فمن يجعل الضرغام في الصيد بازه تصيده الضرغام فيما تصيدا التمايز عن الإلغائي، يحمي غيره منه، كما يحميه من نفسه فالغلبة حالة مؤقتة، والصراع حالة دائمة، والتعدد حتمية كل جماعة او دولة او أمة، والا تحولت الحركة الى سكون وهذا هو المستحيل بعينه.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!