قانون العقوبات اللبناني: الإغتصاب طريق الى الزواج!

ريما صليبا

“إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة وإذا كان صدر حكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه.

يعاد إلى الملاحقة أو تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وانقضاء خمس سنوات على الجناية إذا انتهى الزواج إما بطلاق المرأة دون سبب مشروع أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها.”

إنها المادة 522 من قانون العقوبات!!!

عاد مؤخراً ليُفتح الباب على مصراعيه أمام تحد جديد للدولة من خلال اقتراح قانون يهدف إلى إلغاء المادة ٥٢٢ عقوبات في وقت لوحظ أن هذا الاقتراح قد درس خلال عدة جلسات في لجنة الادارة والعدل النيابية – بحسب الوكالة الوطنية للإعلام- والذي حتى الآن لم تبت به اللجنة اياها، إذ إن آراء النواب تنقسم حوله بين موافق على مضمونه وبين من هو رافض لإلغاء هذه المادة أو تعديلها.

لنا أن نتساءل جميعاً: هل يحتاج إلغاء مادة تنطوي على هكذا إجحاف؛ كل هذا النقاش في لجنة الإدارة والعدل الكريمة؟

إذ هناك مجموعة من الجرائم معددة في هذا الفصل، اعتباراً من المدة 503، التي توقف الملاحقة أو تنفيذ العقوبة بحق مرتكب إحداها إذا عقد بينه وبين المعتدى عليها زواج صحيح لمدة ثلاث سنوات أو خمسة بحسب الجرم المرتكب، جرائم تندرج تحت عنوان “الاعتداء على العرض” وهي متعددة، قد يكون أهمها جريمتي الاغتصاب والجماع بواسطة الخداع أو من خلال استغلال نقص في أهلية المعتدى عليها، إذا كان هذا النقص ناتج عن وضع عقلي أو جسدي أم لناحية عمر المعتدى عليها.

بالعودة إلى نص هذه المادة الذي يقول “…اذا عقد زواج صحيح بين…”نطرح أكثر من سؤال:

أولا: هل يجوز أن توقف ملاحقة مرتكب جرم يصنف في بعض الجرائم المعددة في الفصل المذكور، ويفوق عددها العشرة، بأنها جنايات؟ والأخطر من هذا، هل يجوز أن يوقف تنفيذ عقوبة جنائية صدر بها حكم؟ والمعروف أن صدور الحكم يعني ثبوت ارتكاب الجريمة من قبل المحكوم عليه.

ثانياً: هل يجوز أن تتم مخالفة قاعدة قانونية راسخة استقرت عليها جميع القوانين، تقضي بعدم جواز استفادة أحد من خطئه؟ أليس من باب أولى ألا يستفيد أحد من جريمته الشنعاء؟ فإذا تمت مخالفة هذه القاعدة، لماذا لا يقدم أي كان على ارتكاب جرمه بهدف الزواج من المعتدى عليها؟ لا سيما إذا أضفنا إليها تقاليد مجتمعنا البالية وهواجس أهله الذين ينزعون، لا بل يتوقون، إلى ستر الفضيحة، فيقدمون على إجبار المعتدى عليها لقبول الزواج من المغتصب! والأدهى أن جريمة الاغتصاب أو أي جريمة منصوص عليها في هذا الفصل قد تقع على قاصر وبالتالي يتولى اَهلها مهمة الموافقة والمضي في هذا الزواج.

ثالثاً، وهو الأهم: من الناحية القانونية “عقد زواج صحيح” يعني أنه بنيَ على إيجاب وقبول صحيحين خاليين من أي شائبة قد تلحق بالإرادة وبالرضى. إذا سلمنا جدلاً أن المعتدي أو الجاني وافق على العرض تحت ضغط السجن تملصاً من عقوبة جريمته، ماذا عن وضع المعتدى عليها؟؟؟ إذ تكمن الخطورة في صحتها ورضاها وإرادتها، فهل يمكن لعقل يمتلك الحد الأدنى من البداهة أن يقتنع بأن المعتدى عليها ستوافق على الزواج بمن ارتكب بها جريمة اغتصاب وأشعرها بذل ومهانة وحاول تجريدها من إنسانيتها وألزمها العيش مع عقدة تعرضها للاغتصاب طيلة حياتها المتبقية؟

images

أين تكمن يا سادة الإرادة الحرة والرضى الصحيح الخالي من العيوب في عقد الزواج هذا؟

قد يدلي أحد ما في دفاعه عن نص هذه المادة بالقول بان المعتدى عليها قد توافق على الزواج من مغتصبها بإرادتها ورضاها الصحيح، إما لمنع خلاف ومشاكل بين عائلتين قد يودي أحيانا الى هدر دماء، أو إنها قد توافق لستر الفضيحة فقط.

هل الموافقة على الزواج لهذه الأسباب تنطوي على إرادة حرة وعلى رضى صحيح يجوز الأخذ به قانوناً؟

واضح وضوح الشمس أن الإرادة معطلة هنا والرضى غير صحيح والموافقة على العقد ناتجة عن إرادة معيبة معطلة تودي إلى بطلان أي تعاقد.

نص المادة ٥٢٢ من قانون العقوبات هو نص مضى على إقراره ما يقارب السبعون عاماً؛ ألم يحن الأوان لإعادة النظر به بعد كل هذا التطور في الفكر البشري؛ لجهة مفهوم الإنسان كقيمة بحد ذاته؛ وبعد تطور مفهوم حقوق الإنسان وارتقاء مفهوم العدالة الاجتماعية؟؟؟

بدءاً منكم أيها السادة النواب، وصولا إليكم حضرات القرّاء الكرام: هل تتخيلون حياة زوجية قامت على الاغتصاب والقبول بالزواج قهراً؟ هل تتخيلون مستقبل أولاد يشكلون ثمرة هكذا زواج، يتربون من قبل والدة تشعر في كل لحظة بالذل الذي ألحقه بها شريك حياتها؟ ومن قبل والد بنى زواجه على إذلال شريكته وأم أطفاله مجرداً إياها من انسانيتها، وأجبرها على العيش معه؟

سؤال برسم كل إنسان حر!

(الأنباء)