التحديات كثيرة… فماذا عن أطر المواجهة
وسام القاضي
23 سبتمبر 2016
لا يختلف إثنان على أن ما نعيشه اليوم في لبنان هو أصعب بكثير من ما مر عليه خلال فترة الحروب المتنوعة والمشؤومة بدءا من حرب السنتين، حيث كانت الأموال تتدفق لإشعال الحرب وتغذيتها، وكانت المؤسسات الرسمية تعمل لإستمرار وجود الدولة ككيان، حتى أن القوى السياسية لم تكن تخطط لتدمير الدولة بمؤسساتها بل كانت تنشد التغيير لتحسين النظام، أما اليوم فالأزمات تتوالى من سياسية وإقتصادية ومعيشية وقد تصل إلى الأمنية في ظل الفلتان الموجود حيث عدة أجهزة إستخباراتية خارجية تمد خيوطا لها على الساحة اللبنانية، وهذه الأجهزة تحاول بناء خلايا ومجموعات مرتبطة بها لتحقيق أهدافها ومصالحها ومن الطبيعي أن تسيء بالواقع اللبناني.
الشعارات إختلفت كليا والأهداف تغيرت فما كان من صراع ما بين اليمين واليسار انتهى وتبخرت معه روح النضال الثوري الذي كان إنعكاس للحركات الثورية في العالم إبان حقبة الستينيات، تلك الأفكار والعقائد التي كانت تستقطب الأجيال الصاعدة، أما اليوم فالصراع أصبح صراعا مذهبيا وطائفيا بإمتياز بالرغم من محاولات البعض تلميع الصورة وإخفاء هذه الحقيقة المرة، فهي بالنتيجة إنعكاس لما يدور في المنطقة من صراع مذهبي تغذيه الحركات الأصولية من جهة، ومن جهة أخرى يدفع بها قدما الصراع السعودي الإيراني أي ما بين السنة والشيعة.
إن الخطورة الكبرى تكمن في النفوس التي تتغذى وتشرب من روافد هذا الصراع وأصبحت تتكلم بلغته، وهذا جعل كل مجموعة تحاول أن تؤسس لنفسها إطار حماية بعيدا عن الدولة ومؤسساتها، وهذا لم يعد يقتصر على السنة والشيعة فقط بل إمتد إلى المسيحيين والدروز. فالإنسان بطبيعته يبحث عن الطمأنينة والسكينة، وفي ظل تغييب الدولة عن القيام بواجباتها والسير قدما بنهج إضعافها وتفكيكها، وفي ظل الأخطار المحدقة في المنطقة لم يترك خيار للمواطن سوى ان يتقوقع ضمن بيئته ومحيطه، وهنا لا يمكن رمي المسؤولية على المواطن بل على من كان غطاء ووسيلة لإنعكاس ما يجري في المنطقة على الساحة اللبنانية. إن إرتباط بعض القوى بالخارج أو تعنت قوى أخرى في الداخل في رفض الحد الأدنى من التسويات، قد عقد الأمور وأدخل البلاد في أزمات كبيرة تجر لبنان نحو الهاوية.
أمام هذا الواقع ماذا بقي لدى المواطن من مقومات للصمود والمواجهة، فالمواجهة العسكرية هي إنتحار لأن الظروف تغيرت كليا، إقليميا ودوليا وحتى داخليا، وبالتالي فإن أي إقتتال داخلي لن يعطي مكاسب عسكرية بل خسائر بشرية ودمار كامل، ولا بد في هذا الإطار من زيادة التوعية في العقول حتى ولو كانت متجهة نحو تقوقعات داخلية للحماية الذاتية، ولا بد من العمل بشكل مباشر على الأرض ومع كافة شرائح المجتمع اللبناني من أجل شرح ما يخطط للمنطقة، فلبنان لا قيمة له في الحسابات الدولية، وبالتالي لا وجود لأي مرجعية دولية يمكن الوثوق بها من أجل أن تعطي حماية وغطاء لبقائه، فدول أكبر منه بكثير أصبحت تحت مجهر التقسيم والتفتت في ظل الصراع على النفوذ والذي أصبح بشكله العلني ما بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
إن الحرب الباردة التي بسطت ظلها على الكرة الأرضية بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم حربا بالواسطة ما بين ذات القطبين، وهنالك شعوب عديدة تستعمل وقودا لهذه الحرب دون ان تدري، إذ من السهل جدا إيقاظ الفتن وإشعالها خاصة إذا كان لها ذيول في محطات تاريخية سابقة. فعلى سبيل المثال، فإن النزوح السوري بشكله العشوائي والمنتشر في القرى والمدن هو قنبلة موقوتة، وهذا ليس له علاقة بالناحية الإنسانية لمشكلة النازحين، بل هذا ناتج عن تقاطع مصالح الأميركيين والروس في صراعهم في سوريا.
إذن لا بد في هذا الإطار من قراءة الواقع بشفافية كاملة ودون مواربة، ولا بد من فهم مخاوف الناس على المصير، ولا يمكن الركون لأساليب في التعاطي كما كانت حتى أيام الحروب لأن الظروف إختلفت ولغة التخاطب تغيرت مع الجيل الحالي، ولا بد من تأمين حاجات الناس الملحة بغض النظر عن كثرتها أو صعوبة تحقيق أجزاء منها، لكن التواصل مطلوب لكن بعدة جديدة وعقلية واعية مدركة.
(*) رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية