جميعهم في مهبّ الريح: أما لبنان فأين هو؟

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

نستهل في لبنان يومنا كالعادة، بقرأءة الصحف الورقية أو الالكترونية على أمل ان نقع على نبأ يروي جفاف أفواهنا. لكنّ المستجدات تغرس دواليبها في الطين نظراً لإنشغالها بالملفات العالمية. فتارة نتلهى بالملف التركي الذي استحوذ على معظم مقالاتنا وطوراً تعجّ النصوص السياسية بالملف البريطاني وهموم الاتحاد الاوروبي الذي يصارع للحفاظ على استقامته.

 لكن في الواقع أين نحن من الانقلاب اللبناني على الفساد عبر إحياء الحياة السياسية السليمة؟ أين نحن من ديمقراطية بريطانيا؟ فللمفارقة الديمقراطية الزائدة أرهقت المملكة وتوارث السلطات ارهق لبنان. عليه، أليس من شأن تلك الملفات استحضار الخطر الذي يحدق بلبنان وإنقاذ سفينة الأرز قبل الشروع في الغرق؟

أتى خبر الانقلاب العسكري التركي الفاشل على الصحف العربية كصاعقة ومادة دسمة تبارزت على أثرها الصحف والقنوات لإحقاق تغطية واسعة وشاملة. ليس فقط القنوات الاخبارية العربية وحسب، بل القنوات اللبنانية أعطت هذا الملف الكثير من وقتها. فالانقلاب الذي كاد أن يطيح بأردوغان، فشل في الاستمرار لأكثر من بضعة ساعات.

 فشل في تحقيق الهدف المرجوّ، بل على العكس دفع هذا الانقلاب بأردوغان الى اعتماد خطوات تطهيرية واسعة طالت كافة القطاعات حتى القطاع التعليمي بعد تسريح حوالي 15 ألف موظف من وزارة التربية وتجميد عمل عدد من المدرسين. على العموم، وفي خضم الدراسة اللبنانية المعمقة للملف التركي، قلّة قليلة من اللبنانيين إستطاعوا إستحضار التاريخ اللبناني الحديث وربطه بما حصل مع اردوغان.

فالانقلاب التركي ذكّر البعض بمحاولة الانقلاب العسكري على الرئيس فؤاد شهاب عام 1961 والذي كان وراءه مجموعة قليلة من الضباط اللبنانيين. لكنّ فؤاد شهاب نجح آنذاك في احباطه بعد ساعات.

بغض النظر عن التشابه، يبقى الوضع اللبناني أكثر سوءاً من نظيره التركي ويبقى حزب العدالة والتنمية أكثر ديمقراطيّةً وإنسانية من بعض الاحزاب اللبنانية التي تعطل عملية انتخاب رئيس للجمهورية.

فيبقى أردوغان رئيساً منتخباً من الشعب اي رئيس شرعي وإن كان ديكتاتورياً كما يراه البعض. إنّ ديكتاتوريته وضعت في قالبٍ شرعي. أما نحن نعيش الديكتاتورية في أبهى حُللها تحت قاعدة “أنا في بعبدا او لا أحد” أو “مرشحي في بعبدا أو لا أحد”.

  إن كان مفهوم الديكتاتورية هو الذي سمح لنا بربط الانقلاب التركي بالوضع اللبناني الراهن، فالديمقراطية في المملكة المتحدة، هي التي تجمع بيروت و لندن.

بعد مغامرة رئيس الوزراء البريطاني بإجراء الاستفتاء حول خروج المملكة من الاتحاد الاوروبي او بقائها، انسحب ديفيد كامرون عند خسارته للرهان. وهذا امر طبيعي. لكن وللمفارقة، خرجا ايضاً الداعمان الاشرس لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بعد النتيجة التي كانت لصالحهما.

uk-eu

فبوريس جونسون من حزب المحافظين انسحب من المعركة لرئاسة حزبه. أما نايغل فاراج قدّم استقالته من رئاسة الحزب الذي يترأسه. عليه، اصرار بريطانيا على احكام الديمقراطية ولّد لديها تراجعاً سياسياً كبيراً وتهديداً في تفكك هذه المملكة خاصة بعد مطالب اسكتلندا وايرلندا بالخروج من المملكة نظراً لرغبتهما بالبقاء تحت راية الاتحاد الاوروبي.

 ان ديمقراطية بريطانيا أبت الا ان تطبق مطالب الشباب ولو هدد ذلك التماسك السياسي والاجتماعي. اما الديمقراطية اللبنانية فقد غابت نظراً للسرقة والهدر. حتى الانتخابات النيابية لم تسلم من نقصان الديمقراطية. فقد قُدر لقانون الانتخاب ان يبقى في اطار القيد الطائفي فنواب الأمة يرفضون التنحي عن عملهم في تحديد الناخبين قبل اجراء الانتخابات. تحت قاعدة المحاصصة والتقسيمات المناطقية والطائفية.

من هنا نرى ان الكثير من الديمقراطية يهدد تماسك المملكة المتحدة. اما في لبنان القليل من الديمقراطية ادى الى تعطيل الدولة وتشرذمها.

أخيراً، ليس من المنطقي القاء اللوم على الصحافة اللبنانية لانشغالها التام بالملفات الاقليمية. كما وليس من الصائب اعتبار الملفات الاقليمية هي الشغل الشاغل للاعلام اللبناني. فالقنوات اللبنانية والصحافة على انواعها تسعى جاهدة لتغطية اي حدث سياسي ولمقابلة اي طرف لبناني ترى فيه شخصية سياسية وطنية تسعى لانقاذ لبنان واللبنانيين.

صحف

  ايضاً، لا بد من الإشارة الى جمود الحركة السياسية اللبنانية في بادئ الأمر. كيف لا والملفات اللبنانية تصبح حيز التنفيذ بقرار خارجي؟ كيف لا وكبار قادة الفكر والسياسة في لبنان يتصرفون بهدوء تام مع الواقع المتمثل بكون انتخاب رئيس البلاد امر من مهام  دول خارجية.

فالبعض من السياسيين ليسوا سوى سفراء لطهران والرياض في هذه البلاد. من هنا، ان كان التعمق في الوضع اللبناني سيظهر هشاشة السياسيين وضعفهم الهائل.

 لا يسعنا إلا أن  نحث  الاعلام اللبناني على الإنشغال بالملفات الاجنبية. فمن المؤكد ان ما من بارقة أمل ستطرأ على الساحة اللبنانية إلا بعد الوصول الى تسويات جوهرية في الملفات الاقليمية.