لو كان هناك تربية في لبنان…

وسام القاضي 

أثناء حضوري في إحتفال لمدرسة عيتات الرسمية بمناسبة نيل الطلاب الشهادة المتوسطة، وردت في كلمة المفتش التربوي الأستاذ سامر عامر عبارة “لو كان هناك من تربية في لبنان لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”. فإستوقفتني هذه العبارة لما فيها من دلالات وتمعنت بها فإذا بي أشعر أنه بالفعل أصبحنا نعيش في عصر اللاتربية في لبنان، ولن أقول عصر الجاهلية، لأنه في عصر الجاهلية كان هناك قيم ومبادىء وشهامة نفتقدها اليوم في عصر العلم والمعرفة.

لو كان هناك تربية في لبنان، لكانت الأجيال السابقة قبل اللاحقة قد نشأت على التربية الوطنية لتشعر أن إنتماءها للوطن هو الأساس وليس للطائفة ولزعيمها، لو كان هناك من تربية وطنية لشعر المواطن بالفعل لا بالقول أن عليه واجبا تجاه دولته ولديه حقوقا منها. لو كان هناك من تربية وطنية لكانت إدارات الدولة تسير وفق الأنظمة والقوانين وليس وفق الرشاوى والإكراميات.

لو كان هناك من تربية في لبنان، لكان الشعب يتعاطى بوعي وأخلاق وبأسلوب ديمقراطي في الكثير من المحطات المفصلية والإستحقاقات الوطنية، لو كان هناك من تربية في لبنان لكانت إنتفت عبارات التخوين في السجالات بين الأطراف المتخاصمة، ولكان تقبل الآخر مهما كان الإختلاف بالرأي هو الشعار السائد.

لو كان هناك من تربية للنشىء الصالح والذي جزء منه يتحكم بمصير البلاد، لما سمعنا ولمسنا الصفقات المشبوهة والسمسرات المنتشرة بكافة مفاصل الدولة اللبنانية، أي تربية هذه والتي تنتج هذا الكم الهائل من الفضائح المالية والصفقات الخطيرة التي تمس وتضر بالمواطن اللبناني. ومن المعيب إخفاء الأمور لأن العالم كله أصبح تحت المجهر في عالمنا هذا، وإذا كان البعض يستهتر بعقول الناس فهو مخطىء، لأن الرأي العام يفكر وينظر ويسمع ويلمس بالأدلة كيف هبطت الثروات الطائلة على البعض، وكيف وصل المشبوهون إلى مواقع المسؤولية.

رحمة الله على بلد إفتقد أسس التربية الحقيقية، التربية لا تكمن في الحفاظ على مستوى الشهادات فقط، بل التربية هي في إعتماد منطق الكفاءة في كافة القطاعات، العامة والخاصة وحتى الحزبية، التربية هي في إعتماد الصدق والأمانة في التعاطي مع المواطن، التربية هي في تطبيق القوانين بعيدا عن تدخل السياسيين للتخفيق عن هذا المذنب أو ذاك، التربية هي بوضع كافة المواطنين تحت سقف القانون وأن تتعاطى الدولة وأجهزتها بعدالة ومساواة مع جميع أبناء الوطن.

التربية الحقيقية التي نفتقدها في لبنان هي أن تكون العلاقة بين المواطنين علاقة شراكة في هذا الوطن وليس تبعية للخارج عبر القنوات المذهبية، أن يكون شعار تقبل الرأي الآخر هو الأساس وبمنهج ديمقراطي سليم، وأن تكون العلاقة بين المواطنين والزعماء السياسيين بشفافية وأن يقبل النقد البناء بصدر رحب، وأن تسمع الملاحظات الإيجابية والسلبية على حد سواء، لأن الناس الواعية والمدركة للواقع لم تعد قطعانا وعددها يزداد وليس الجميع أيادي تصفق وأعين مغمضة وآذان صماء.

إذا كان هناك من رغبة لدى كبار القوم بالحفاظ على البلد، فالمطلوب ليس مؤتمر تأسيسي لتوزيع المحاصصة بين المذاهب، بل مؤتمر تأسيسي لكيفية تربية المواطن على إحترام دولته، ولبناء دولة تحترم مواطنيها وتؤمن لهم متطلبات الحياة بمستوى يوازي المستوى الذي وصلت إليه الدول المتطورة والمتقدمة.

 

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي 

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار