وماذا بعد؟
وسام القاضي
4 مارس 2016
ستة وثلاثون دعوة لعقد جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية ولم يكتمل النصاب، وماذا بعد؟ مجلس النواب بعقده التشريعي لم ينعقد منذ ثلاث سنوات والبلاد تفتقد لسن القوانين والتشريع، وماذا بعد؟ البلاد على شفير الهاوية الإقتصادية حيث العديد من المؤسسات لم تعد تتحمل إنعكاس الأزمة السياسية على الوضع الإقتصادي، وماذا بعد؟ حزب الله منغمس في حرب إستنزاف طويلة الأمد في سوريا ولا يوجد أي افق للحل، وماذا بعد؟ الشعب اللبناني منقسم بشكل عامودي حاد وفقا لإنتماءاته المذهبية وبشكل عصبوي متشدد، وماذا بعد؟ مجلس التعاون الخليجي يصنف حزب الله منظمة إرهابية ويوافقه الرأي مجلس وزراء الداخلية العرب، وماذا بعد؟
وطبعا لا أحد يملك الإجابة، لأنهم جميعا دخلوا الأزمة من نفقها المظلم وقد وصلوا إلى الحائط المسدود. فوتيرة الكلام التصاعدي والسجال الحاد الذي هو إنعكاس لسياسة المحاور لم يعد له حدود في ظل اللاوعي الحاصل لمن يتعاطى الشأن السياسي في لبنان.
إذا لم نستطع الإختيار ما بين مصلحة الشراكة الحقيقية في هذا الوطن وبين الإرتباطات الخارجية وفق تقاطع وتضارب مصالح الدول الإقليمية والدولية، فالسلام على ما تبقى من لبنان. ولو وضعنا أمام نصب أعيننا مقولة المهاتما غاندي “إن حبي إلى الحقيقة علمني جمال التسوية” لكنا أنهينا الأزمة باقل الخسائر الممكنة. فالحوار الداخلي الذي هو ضرورة، يتطلب أيضا ضرورة ملحة وهي تقديم التنازلات من الجميع.
لا ينظرّن أحد حول مفهوم الديمقراطية وأسلوب إعتمادها، ورئيس الجمهورية بعد إتفاق الطائف لم تعد صلاحياته تقدم او تؤخر، وليأت من يأت، وكفى تضليلا حول الرئيس الأقوى في طائفته، فالموارنة مع الإحترام الكامل لطائفتهم، لكنهم عملوا على إضعاف موقع الرئاسة بسبب عدم تخطيهم عقدة الأنانية الفردية في ملء سدة الرئاسة. ولم يعد هنالك من رئيس قوي طالما الرئاسة فارغة بحد ذاتها ولم يعد لها موقع. فالقوة تأتي من الموقع ومن الشخص على حد سواء.
وفي المقابل فإن حزب الله عليه التخلي عن العنجهية والنظرة الفوقية للأمور، ولتبتعد خطاباته عن لغة النصر، لأنه لا معنى للنصر في بلد يترنح تحت شفير الهاوية، وما قيمة النصر إذا كانت النفوس مشحونة والمواطن يائس من وطنه ويعيش مخاوف الفتنة السنية الشيعية بين كل ساعة وساعة.
كم نترحم على إفتقادنا لرجالات الدولة في هذا الزمن الرديء حيث السياسة إرتجالية يمارسها من تسلق على السياسة عبر سلالم الأجهزة المخابراتية أو الأموال المستوردة. نفتقد لقادة يخلصون لوطنهم قبل مصالحهم الخارجية، نفتقد لسياسيين يحاورون للوصول إلى تسوية تنعش البلد لا إلى شد حبال والقضاء على الآخر وفرض الهيمنة على الدولة. نحتاج إلى طاقم جديد يحكم لبنان منطلقا من وحدة وتجانس أبنائه بغض النظر عن الآراء والمعتقدات، فالديمقراطية تتيح للشعوب بأن تنعم بنظام راق يطور الدول بينما في لبنان يعتبرونها مطاطية ليؤكدوا وجهة نظرهم.
وفي النهاية يخطىء من يرفض الإعتدال، ويخطىء من يرفض التحاور مع المعتدلين، ويخطىء من يرفض تقديم التنازلات المتبادلة للوصول إلى تسوية مشرفة. فالتاريخ لا يرحم والأجيال القادمة لن ترحم طبقة سياسية ساهمت في شل البلاد وتدمير إقتصادها وجرها نحو الهاوية، وتبقى العبرة لمن إعتبر.