الحقوق الدستورية للمسيحيين والواقع الأليم
وسام القاضي
8 ديسمبر 2015
يحاول الكثيرون من القادة السياسيين المسيحيين التلطي خلف شعار حقوق المسيحيين المهدورة لكي يجدوا موقعا لهم على الساحة اللبنانية ويضربوا على الوتر الحساس لإستمالة عواطف المسيحيين بشكل عام في موضوع حساس له آثاره السلبية عبر التاريخ أقله المعاصر، فبعيدا عن نكء الجراح الذي سببته الحرب اللبنانية المشؤومة، فلا بد من أخذ العبر مما مضى مع الطبقة الحاكمة التي سادت منذ نيل لبنان استقلاله الشكلي.
لقد أعطى الإنتداب الفرنسي السلطة للموارنة في لبنان، ومع ميثاق 1943 حكموا بالتوافق مع السنة بإعتبار أن لبنان لن يكون مع الغرب ولا مع العرب، فمع هذا التوازن وتحت قبته التي إخترقت مع حلف بغداد، ظهرت المارونية السياسية التي فتحت خيوط مع القيادات الإسلامية التي تدور في فلكها، وأصبح النظام اللبناني بيدها خاصة وأن الموارنة أمسكوا مباشرة برئاسة الجمهورية، قيادة الجيش، مديرية المخابرات، مديرية الأمن العام، المصرف المركزي، وأعطوا المراكز الحساسة الأخرى لحلفائهم في الطوائف الإسلامية الأخرى.
إن هذه الثنائية لم تعط للبنان وشعبه الطمأنينة بل بالعكس تماما، فكانت الأجواء تضطرب مع كل إستحقاق، مما أدى إلى الإنفجار الكبير عام 1975. وبسبب تعنت القيادات المارونية التي كانت تؤلف ما يسمى بالمارونية السياسية، لم ترض بتقديم الحد الأدنى من الإصلاحات التي طرحها المعلم الشهيد كمال جنبلاط عام 1975، وبقيت تعاند وقد إستقدمت السوريين ومن ثم الإسرائيليين لتحصين موقعها، إلا أن الوضع إزداد سؤا عليها حتى وافقت على التنازلات الكبرى في إتفاق الطائف، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فها هم يرفضون اليوم ويعاندون ولا يقدمون على خطوة جريئة لحل الأزمة، وهم يدركون أن أي خطوة ناقصة في هذا المجال ستؤدي إلى مؤتمر تأسيسي تذهب به البلاد إلى المثالثة.
وعليه فهل المطلوب هو المطالبة بتلك الحقوق التي كانت سائدة قبل الحرب والتي أدخلت لبنان في أزمات متتالية، فعن أية حقوق دستورية يتحدثون، أيريدون أن يكون للرئيس الصلاحيات المطلقة في وطن مشرذم مذهبيا وطائفيا، أيريدون ان يمسكوا بالمواقع الكبرى في البلاد، فقبضتهم تلك التي أمسكوا بها مقدرات البلاد منذ الإستقلال أثارت الشيعة الذين كانوا يشعرون بالحرمان ونهضوا من حرمانهم بعد الحرب وأصبحت يدهم نافذة في كل مؤسسات الدولة، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى مواجهة الطرف الإسلامي الآخر أي السنة الذين كانوا يشكلون مع الموارنة رافعة ميثاق 1943.
أما الدروز فهم دائما رأس الحربة في الحرب، وعند السلم يحاسبون على أنهم الأقلية ولا يحصلون على أكثر من 6% في توزيع الحصص، هذا وإن حصلوا عليها، حتى أن ما إصطلحوا على تسميته بالوزارات السيادية أبعدوا عنها، مع العلم أن تاريخ لبنان مرتبط بصمودهم وتضحياتهم وعروبتهم.
وتبقى الطوائف المسيحية الأخرى مرتهن دورها وقرارها مع الزعامة المارونية التي لم تنكفىء يوما إلا وتتحدث بإسم المسيحيين، وقد إختصرت الزعامات المارونية التمثيل المسيحي بشكل عام بدورها المباشر.
أمام هذا الواقع المر والأليم لا يمكن التغاضي عن شعار إذا ما رفع على الطوائف الأخرى أيضا أن تطالب بحقها، إن رفع شعار الحقوق الدستورية للمسيحيين هو من أجل إثارة النعرات وخلق الفتنة الداخلية من جديد، لأن كافة الطوائف كانت مغبونة عندما كانت الإمتيازات المارونية في الحكم، وتلك الإمتيازات لم تقدم خيرا بل أدخلت البلاد في نفق مجهول. من هنا لا بد من التوافق وإتمام التسوية الكبرى حيث كل فريق يتقدم خطوة إلى الأمام ليلاقي الفريق الآخر، وما من فريق مهما تعاظم عديده وعتاده من أن يبسط قراره ونفوذه، والتلاقي يتم بالمصافحة الشجاعة وليس برفع إصبع التحدي بوجه الآخر. هذا بالطبع إذا اردنا أخذ العبر والدروس من أخطاء الماضي الأليم.