الإنتماء الوطني في مطامر النفايات

وسام القاضي

مع إنتهاء الحرب اللبنانية عند إبرام إتفاق الطائف، كثرت التعابير السياسية التي إستهدفت لملمة اللبنانيين بعد أن شرذمتهم الحرب، وقيل الكثير عن الوحدة الوطنية، والإنصهار الوطني، والتعايش السلمي، وإعتمد شطب المذهب عن الهوية، لكنها جميعا لم تلق آذاناً صاغية في النفوس البشرية حتى ولو ألغيت في النصوص، لأن قادة البلاد فقدوا وسيلة التواصل مع المواطنين وآثر كل واحد منهم التواصل مع شرائح مذهبه عبر تحريك العصبيات، كل ذلك على حساب قيام الدولة ومؤسساتها.

ويبدو أن أزمة النفايات تحولت إلى كرة ثلج، كبرت مع الوقت الداهم لتطيح بكل ما هو مستور وما هو ضمن خفايا الأعيب السياسة في لبنان. وأصبح كل حديث عن الوفاق الوطني أو الإنصهار الوطني هو كذبة يتم المتاجرة بها، فكيف يُعقل أن يقفل باب الحلول لإيجاد مخرج لأزمة النفايات والوصول إلى إعتماد الحل المذهبي عبر إعتناء كل طائفة بنفاياتها، وكفى كذباً وتلفيقاً بإقناع الناس أنها تقسيمات وفق المناطق، إنها بكل تأكيد وفق المذاهب، وتم تعطيل خطة الوزير أكرم شهيب بسبب ربط مطمر سني بالشمال بمطمر شيعي في البقاع ولاحقا إيجاد مطمر مسيحي في كسروان، وإذا إعتمد الحل الذي اقترحه الرئيس بري حول التوزيع المذهبي وليس المناطقي للنفايات، فكيف سيتم التأكد من حمولة كل شاحنة، هل سيتم إعطاء النفايات هوية مذهبية، إنها بالفعل المهزلة الكبرى من قبل بعض أولياء السياسة في لبنان!

النفايات

لم نصل إلى ما وصلنا إليه إلا بعد إعتماد زعماء البلاد اللون المذهبي في خطاباتهم السياسية، وعلى سبيل المثال تتمحور خطابات العماد عون حول حقوق المسيحيين والغبن اللاحق بهم، وتتمحور خطابات السيد نصرالله وحزب الله حول ما يخطط لضرب الشيعة في المنطقة، وتتمحور خطابات قادة تيار المستقبل حول المضايقات والملاحقات بحق السنة في لبنان، وبالتالي أين يكمن الخطاب الوطني المشترك بينهم، أين تكمن وحدة الرؤية في المطالب الشعبية المحقة في لبنان، كل طرف يخاطب جمهوره بلونه المذهبي المفضل، وهنا تكمن مقولة الرئيس نبيه بري على “أن كل ديك على مزبلته صياح”، إذ أنه لم يستطع أي سياسي أن يخترق صفوف الآخرين، ولم تعد تسمع جماهير هؤلاء أي كلام عقلاني أو منطقي للطرف الآخر، والتصنيف المذهبي هو سيد الموقف. لقد لعبوا على شد العصب لجماهيرهم بالشحن المذهبي الذي يدمر ولا يعمر.

ولم يقتصر الأمر على هذا الواقع بل تعداه ليصل إلى الوزارات وأجهزتها وأصبح كل وزير يمثل طائفته عبر فريق عمله ومستشاريه، وطبيعي أن تأتي الخدمات للمواطنين وفق معيار الإنتماء المذهبي.

لم يعد مستغربا أن تبقى الملفات الإنمائية عالقة نتيجة هذا التجاذب المذهبي الحاصل، فلا نفط في المياه اللبنانية قريبا، وأزمة الكهرباء ستستمر مزمنة، أما المياه فالإتكال على الله والأمطار، وكل قضية إنمائية ستدخل في سبات عميق.

نعم، هذا هو لبنان، بزعمائه السياسيين المتخاصمين وشعبه المشرذم، حيث الإنتماء المذهبي هو العقل الراجح في تأييد هذا السياسي أو ذاك، ولم يعد للإنتماء الوطني مكان غير المطامر التي ستعد للنفايات وفق إنتمائها المذهبي. وبالتالي لم يعد مستغربا أن تضمحل هيبة الدولة وتقفل مؤسساتها وتشل أجهزتها فهذه هي بداية الفوضى الهدامة التي تنتظر لبنان.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار