الحراك والنفايات… “على شو بدي نادي”…

محمد بصبوص

منذ سنين مضت ومن إحدى البلدات التي كانت تشتهر بباعة القماش المتجولين، خرج “أبو جمال” من منزله المتواضع عند بزوغ الفجر، حاملاً على كتفه ما تيسر من “شقف قماش” عملت زوجته على توضيبها بفن، خرج ليجوب الآفاق طلباً لرزق يكفي عائلته.

إنتصف النهار و كان أبا جمال قد تجوّل في عدة بلدات، خائضاً في أزقتها، منادياً بأعلى صوته “قماش، قماش”، تخرج النسوة فيفرد بضاعته للمعاينة على المصاطب، تطول المساومات، والله “بيجبر” فيبيع أبو جمال ما حمل ويعود أدراجه “بشقفة” واحدة، فتستوقفه إحدى السيدات على طريق العودة، تعاين القطعة المتبقية، تسأله عن السعر وعند موافقتها على المبلغ، يعتذر منها ويتابع المسير.

بعد مروره ببلدة مجاورة وهو ينادي “قماش، قماش”، تستوقفه سيدة أخرى، تعاين القطعة الوحيدة سائلة عن السعر، فيجيب أبو جمال مضاعفاً المبلغ وقبل أن تهم بالدفع له، يعتذر الرجل ويكمل طريق عودته مغادراً. أثناء مروره في القرية المجاورة لبلدته، يتكرر المشهد ويعتذر أبو جمال مجدداً عن المبيع ويكمل مسيرته منادياً “قماش، قماش”.

الحراك المدني

يستوقفه أحد المارة الذين شهدوا واقعته، مستوضحاً بحشرية عن سبب رفضه بيع السيدة التي وافقت على السعر دون مساومة، فيجيب أبو جمال السائل الجاهل بأمور التجارة بشيء من السخط و السخرية: “وإذا بعت آخر شقفة على شو بدي نادي”…

أما اليوم، وفي الوقت الذي يسابق فيه الوزير أكرم شهيب ولجنته الأمطار المنتظرة تحسباً من الغرق في أوحال النفايات، وبعدما أكَّد القسم الأكبر من الخبراء البيئيين، من داخل الحراك المدني وخارجه، بأنَّ هذه الخطة التي بنيت على أساس علمي وبيئي كنتيجة شراكة قلَّ نظيرها فيما بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني، هي أفضل ما يمكن الوصول إليه لمعالجة أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم. برغم ذلك، ولأسباب لم تعد خفية، يصر بعض من “الحراكيين” على محاولة العرقلة والإطالة وإمتطاء ملف يلامس كرامة وصحة الناس، وذلك بهدف الإستمرار في المتاجرة بالحراك الصادق… كيف لا، وقد بات واضحاً بأن لا مصلحة لمستغلي هذا الحراك بطي هذه الصفحة السوداء، و إلاَّ  كما قال أبو جمال، “على شو بدهن ينادوا”…

—————————

(*) رئيس جمعية الخريجين التقدميين