أي ثقافة في وسائل الإعلام والإتصال الحديثة؟

علا كرامة – الأنباء

الثقافة هي شأن إجتماعي تتكون من مجموعة معارف يكتسبها الإنسان في المجتمع. فالثقافة هي هذا الكل الذي يشمل مختلف أنواع المعارف العلمية والعملية مع ما يلحق ذلك من أنواع وأصناف التقاليد والأعراف والفنون التي يكتسبها الفرد بوصفه عضواً فاعلاً في المجتمع، فالثقافة كانت رفيقة الإنسان منذ وجوده متصلة بالمعنى نظرياً وعملياً. لذا، حظيت الثقافة على مرّ العصور بالبحث والإهتمام لأنها خلاصة تجارب البشر، وما ينتج من خبرة في المعارف والتفكير في الموجودات. وإذا كان الإعلام يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالثقافة يؤثر ويتأثر فيها.

من هنا، أقامت الرابطة العربية لعلوم الإتصال ورشة عمل بعنوان ” أي ثقافة في وسائل الإعلام والإتصال الحديثة”، وذلك نهار الخميس في ٢١ أيار ٢٠١٥ في قصر الأونيسكو، بحضور رئيس إتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس ممثلاً وزير الثقافة ريمون عريجي، وعميد كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج صدقة، وعميد كلية الآداب السابق الدكتور جوزيف لبكي، ودكاترة وطلاب واعلاميين. كما وطرحت برنامجاً توزع على أربع محاور: الأول يتناول إشكالية أي لغة في وسائل الإعلام والإتصال الحديثة، والثاني دور وسائل الإعلام والإتصال في بناء ثقافة المواطن، والثالث أي قيم ثقافية وتربوية في وسائل الإعلام والإتصال الحديثة، والرابع يتناول موضوع بعنوان أي ثقافة فنية في وسائل الإعلام والإتصال الحديثة . كما تخلل الورشة توقيع كتاب الدكتورة في الجامعة اللبنانية ورئيسة الرابطة مي العبدالله وموضوعه: الإتصال في الشرق الأوسط والإنهيار الثقافي.

عبدالله

وفي مقابلة لـ”الأنباء” مع العبدالله شرحت إن “الجمعية أسسناها لتكون مركزاً للدراسات والبحوث لعلوم الإعلام والإتصال ومن ثم اصبحت مفهوم رابطة تربط بين الأساتذة والباحثين في مختلف الدول العربية بمجال الإعلام والإتصال، فكان التوجه متعدد الإختصاصات، وأن يشمل معظم الدول العربية ليكونوا شركاء معنا في البحث العلمي، والأهداف هي الإهتمام بالشؤون الإعلامية والإتصالية في الوطن العربي التي تجمع بينها قواسم مشتركة من المعاناة وحالياً من المرحلة الإنتقالية والقضايا التي تنتج عنها وخصوصاً من مرحلة الإنتقال من أنظمة شمولية إلى أنظمة أخرى لم تتشكل بعد ولم نعرف معالمها بعد. وبالتالي هذه المرحلة تقتضي دوراً للإعلام الذي لم يعد كالسابق لأن النظام السياسي والإجتماعي انهز وبالتالي إهتزاز هذه الأنظمة أدى إلى خلل في النظام الثقافي ككل بما فيه النظام الإتصالي والإعلامي.

مي عبدالله

اضافت: من هنا، وشعرنا كأساتذة إعلام لفترة طويلة بأهمية هذا الموضوع، بأهمية أن يكون لنا قاعدة مشتركة في التفكير والبحث لمناقشة قضايانا، للتنظير الإعلامي، للخروج بنظريات للبحث في المنهجيات، لمناقشة القضايا الأكاديمية الإعلامية، وكيفية التواصل مع المؤسسات الإعلامية، وبالتالي رأينا أن هناك إرادة مشتركة لدى العديد من الأساتذة في الوطن العربي، وكنا قد طرحنا فكرة إنشاء هذه الجمعية من خلال العديد من المنابر”.

وتابعت العبدالله: “انطلق العمل مع فريق تأسيسي متعدد الإختصاصات في العلوم الإنسانية والإجتماعية من تربية وآداب وفن وعلوم الإعلام والإتصال… وهذا أتى من تجربتنا في معهد الدكتورا في الجامعة اللبنانية. وأسست الجمعية رسمياً عندها انطلقنا بالملتقى الأول وبلغ عدد الراغبين في الإنتساب نسبة كبيرة، وثم تحددت الهيئة العامة التي وفي كل يوم يضاف إليها عضو جديد، والجدير بالذكر أن الأعضاء هم باحثين اي لدينا عدد كبير من طلاب الدكتوراه الذين ما زالوا يحضرون الأطروحة، ويدرسون أيضاً”.

وعددت العبدالله الأهداف الأساسية لإنشاء الرابطة وهي “من جهة أهداف أكاديمية لتطوير العلوم بحد ذاتها، ومن جهة ثانية إجتماعية تخدم تنمية المجتمع وإنماء الإنسان فيه، فكانت الفكرة التركيز على نشاطات أولاً تأسيسية، فكرية، بحثية وهي تختصر بثلاث نقاط: النظريات، المفاهيم، المنهجيات العلمية المستخدمة في بحوث الإعلام والإتصال ككل، وإلى جانبها تأتي كل القضايا المرتبطة بوسائل الإعلام والإتصال وتطورها بالمجتمع وإشكالياتها ورهاناتها، ومن ثم أنشئت لجان في هذا الإتجاه وهي ستة: النشاطات، الإعلام، العلاقات العامة، البحث الأكاديمي، البحث العلمي، نشاطات المؤتمرات وورش العمل. من هنا، تم التركيز في الملتقى الأول على هدف اساسي هو التعرف إلى مختلف التجارب البحثية في مجالات الإتصال في الوطن العربي وخلق فرصة للتقارب والنقاش العلمي بين الأعضاء، وانطلق القطار!”.

وأشارت العبدالله إلى أنه “يتم التحضير الآن لملتقى ثان هو المؤتمر الثاني السنوي وسوف يكون في جامعة الشارقة، والموضوع سيكون حول الإتصال الإلكتروني ورهاناته الإجتماعية والدعوة مفتوحة لكل الباحثين للمشاركة، وخلال السنة يتم الإعداد لنشاطات أخرى أساسية موازية تنفذ بالتزامن في عدة دول عربية، والموضوع الأساسي في نظرنا هو الإضاءة على المضامين الإعلامية وهذا يتطلب العديد من ورشات العمل”.

وأعلنت عبدالله إن “هذه الورشة يواكبها مرصد إعلامي ينفذه الطلاب، وسيدخل في إطار بحث أكاديمي متكامل للجامعة اللبنانية، أي أعمال هذا المرصد سترتبط ببحث علمي متكامل للجامعة اللبنانية، وأيضاً بناءّ على طلب وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام. ورشة العمل الأولى سترصد أيضاً مضامين وهي خطوة أولى لمحاسبة وسائل الإعلام والإتصال على أدائها ولفت النظر إلى الثغرات الكثيرة والهفوات المرتكبة وكل الخطوات البعيدة عن المهنية الإعلامية وأصول وقوانين هذه المهنة، فنتطرق في هذه الورشة إلى مختلف مجالات الثقافة لنرى أي ثقافة في هذه الوسائل بدءاً بالصحافة، إلى التلفزيون، إلى الراديو، إلى الوسائل الحديثة، هذه المجالات الثقافية: أي تربية وأي فن وأي لغة ومفهوم الثقافة لدى هذه الوسائل، ويشارك فيها إعلاميون وباحثون واساتذة أكاديمييون، والهدف هو أن يجري هذا التواجد بين الإعلامي والأكاديمي، ونذكر أن هناك مشاركة لكلية الإعلام وعميدها، ومشاركة وزارة الثقافة، وأعضاء الرابطة وأصدقائها، والهدف الدائم هو الخروج بدراسات علمية، وسنعطي مجال للأساتذة الأكاديميين في تطوير ورقاتهم البحثية إلى بحوث علمية تصدر في كتب، ودائماً سيكون لدينا إصدارات، فهدف الرابطة الأساسي هو الإصدارات والدراسات البحثية المشتركة وتكمن أهمية هذا أنه سيصدر عنها مرجعاً علمياً يجمع بين أوراق بحثية من مختلف الدول العربية للخروج بنتائج عن كل دولة لبحوث علمية لها نتائجها وإضافتها العلمية والتي تصدر عنها نتائج دقيقة ورصد علمي دقيق لهذا المحتوى، وليس تنظير فقط. نأمل التوصل لرصد دقيق للمحتوى لوضع النقاط على الحروف وليس فقط كلاماً وتنظيراً”.

واختتمت عبدالله بالقول “لنرى ما الذي يجمع بيننا، ما هي قضايانا المشتركة، هل فعلاً هذا الإعلام له نفس الثغرات، هل نستطيع أن نحلّ مشاكلنا العلمية لأن لدينا قضايا مشتركة، هل هذه القضايا تجمع بيننا، لنقول أن لدينا إعلام واحد وقضية واحدة هي أكاديمية علمية واحدة لتمكن من الخروج لنظريات إعلامية عربية ومناهج تنطبق علينا وعلى عالمنا ولا تأتي دائماً من الغرب ومن الخارج، إذا توصلنا أن تكون هذه الرابطة مدرسة إعلامية علمية إتصالية جديدة فكرية، وسنحاول خلق نواة مدرسة فكرية في علوم الإعلام والإتصال”.

كحيل

وفي مقابلة لـ”الأنباء” مع الاستاذة في الجامعة اللبنانية-كلية الإعلام والتوثيق الدكتورة سهاد كحيل قالت “تبرز أهمية موضوع الثقافة في وسائل الإعلام من حيث طرحه في مؤتمر تتبناه وزارة الثقافة والرابطة العربية للعلوم والإتصال وتطرحه في خضمّ موجة تحتاج إلى التساؤول عن دور وأهمية الثقافة. نحن نعلم أن وسائل الإعلام إن كانت إجتماعية أو إن كانت إلكترونية لها دور في صنع صورة معينة. حتى أن مارتين لوتركيم أشار في أحد خطاباته إلى أن وسائل الإعلام خطيرة من حيث أنها باستطاعتها أن تصنع الشيطان أو الشر كما بمقدورها أن تصنع الخير وتجسده. وجدلية أن المجتمع هو مرآة للإعلام وفي نفسه الوقت فإن وسائل الإعلام هي صورة مكونة للمجتمع في كلتا الحالتين هناك تأثير وتأثر وهناك صناعة للثقافة، وتأريخ لها، وإرث حضاري تحفظه وتنقله الوسائل الإعلامية”.

وأضافت كحيل إن “الإشكالية الكبيرة أن لدينا ثقافة إما مهددة أو غير واضحة الملامح تنعكس في الوسائل الإعلامية التقلدية والجديدة، المؤتمر يحاول أن يركز الضوء على هذه الثقافات من وجهات نظر مختلفة وباحثين عرب ولبنانيين محليين ومن عدة مستويات إجتماعية”.

سهاد كحيل

وتابعت كحيل: “نحن نعلم عندما بدأ البث الإلكتروني من خلال الراديو أو التلفزيون أصبح هناك شخص إضافي في المنزل ومن هم من شبه وسائل الإعلام الإلكترونية إلى نافذة تعكس داخلياً وخارجياً، هذا من ناحية، أما من ناحية الإعلام الجديد فإنه يتوجه إلى جمهور شخصي أكثر وبأسلوب ووجود شخصي يحاكي هواجسه، مذكراته، ومدوناته اليومية، مواقف حياتية خاصة وعامة، صور شخصية وخيارات خاصة جداً متفرّعة حسب إهتمامات الفرد، هذه الفردية والذاتية في الإعلام الجديد تخوله في المزيد من الحرية خصوصاً مع عدم وجود ضوابط قانونية وأخلاقية واضحة. البعض من هذه العوامل التي يوفرها الإعلام الجديد لا ينكر وجود فوائد ذاتية وإقتصادية وإجتماعية، فالعديد من الأخبار تتحدث عن أشخاص تم إنقاذ حياتهم بواسطةالإعلام الجديد”.

وذكرت كحيل إن “العديد من الأخبار تتحدث عن أشخاص تهدمت منازلهم وحياتهم الزوجية من وراء سوء استخدام الإعلام الجديد. ومن الأمثلة والآفات الإجتماعية والتي نتابعها يومياً في الوقت الذي ينسج الإعلام الجديد جزءاً جديداً من حبكة حياتنا اليومية ويصنع وجهنا ويصور قصتنا. حتى إن أشرت من خلال الإعلام الجديد والstatus في أن دولة دينية أصبح الهاتف الذكي بديلاً عن المسبحة في يد الأفراد فانتقلت التسبيحات إلى إلكترونية. ففي النهاية من نفس جذور كلمة الصلاة ينبع الإتصال”.