لهذه الأسباب تقاطع الكتل المسيحية التشريع

يكاد التعطيل يطبق على كل المؤسسات الدستورية ويدخل البلاد في فراغ قاتل سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التحذير منه قبل فوات الآوان، وآزره في هذا الموقف رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب وليد جنبلاط، محذرا بدوره من خطر التعطيل، ومحملا  مثل بري القوى السياسية المسيحية المسؤولية عن تعطيل إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
يقول مصدر نيابي أنه كان منتظرا أن تنعقد الجلسة التشريعية التي أتمّ بري كل الترتيبات اللازمة لها، إذ كان سيحضرها تكتل التغيير والاصلاح بما يؤمن “ميثاقيتها” المسيحية لأن كتلتي حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” ستقاطعانها بحجة أنه لا يحق لمجلس النواب  التشريع في ظل الشغور في رئاسة الجمهورية، وأن المجلس هو الآن “هيئة ناخبة” مهمتها فقط إنتخاب رئيس الجمهورية قبل أي شيء آخر.
لكن بري الذي قال قبل أيام أن في إمكان المجلس أن يشرع في كل شيء “ومن بابها إلى محرابها” بإستثناء الجلسة التي يعقدها لإنتخاب رئيس الجمهورية، فوجىء بإنقلاب تكتل التغيير على موقفه والانضمام إلىكتلتي “القوات” والكتائب في مقاطعة التشريع.
تكشف هذه المقاطعة المسيحية في رأي المصدر النيابي نفسه، أمرين:
ـ أولا ً، مزايدات متبادلة بين القوى السياسية المسيحية على تناقضها السياسي حول موضوع “التباكي” على شغور كرسي رئاسة الجمهورية التي تتولاها الطائفة المارونية عِرفاً لا دستوراً، ورمي الكرة في ملعب “الفريق الآخر” على تناقضه سياسياً وإتهامه بتعطيل الانتخاب الرئاسي أو إهماله طالما أن رئاستي مجلس النواب والحكومة موجودتين “وتحكمان” البلد. ولا مشكلة لدى هذه القوى المسيحية في الوقت نفسه من خلق “عِرف” أو “سابقة” بتعطيل عمل كل المؤسسات الدستورية يمكن إعتمادها في اي حالة شغور رئاسي تحصل مستقبلاً.
ـ ثانياً، تريد هذه القوى المسيحية من مقاطعة التشريع، والتي قد تنسحب لاحقا مقاطعة لجلسات مجلس الوزراء (وبذريعة الشغور في رئاسة الجمهورية أيضاً)، التعمية على عجزها وفشلها حتى
الآن في الاتفاق على أرضية توافقية مسيحية حول الاستحقاق الرئاسي تتيح التفاهم مع “الفريق الآخر” على رئيس جمهورية توافقي، إلى درجة أن الإرادة الفاتيكانية التي حذرت من الخطر الذي يتهدد الوجود المسيحي في المشرق ويشكل الوجود المسيحي اللبناني عاصمته ويتولى موقع رئاسة الجمهورية كموقع وحيد يتولاه المسيحيون في العالم العربي، لم تتمكن من جمع هذه القوى المسيحية على موقف مشترك لـ”إنقاذ” هذه الرئاسة من الاندثار بنتيجة المتغيرات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة.
ويقول المصدر النيابي نفسه أن كل هذه التطورات التي ترفع منسوب المخاوف من حصول التعطيل الشامل لمجلس النواب والحكومة، هي التي دفعت بري وجنبلاط إلى رفع الصوت عالياً والتحذير من هذا التعطيل الذي لن يمكن اي فريق من فرض الرئيس الذي يريد، وانما سيفرض على الجميع تحمل مسوؤلياتهم والعمل على انتخاب رئيس جمهورية توافقي لانه بعد كل التجارب السابقة بات لا يصلح للبلد إلا مثل هذا الرئيس، لأنه في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي تعيشه البلاد لا يمكن اي فريق أن يفوز برئيس من صفوفه، فمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية باتت معركة توافق على الرئيس وليست معركة تنافس عليه يخوضها مجموعة من المرشحين.
ولذلك، يؤكد المصدر النيابي أن المقاطعة المسيحية للتشريع ولأي مؤسسة دستورية لن تقنع أحدا في الداخل أو الخارج بأن “الفريق الآخر” هو الذي يعطل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، بل إن إنعدام التوافق المسيحي على هذا الاستحقاق هو الذي يعطله وأن على المسيحيين الاطلالة بموقف يسهله، بدلا من “توسل” الرئيس في عواصم خارجية لن تستطيع في النهاية أن تفرض على اللبنانيين رغم انقسامهم السياسي رئيسا غير توافقي.
——————————–
(*) اعداد: رانية غانم