القيادي الكتائبي جوزيف ابو خليل لـ”الأنبـاء”: تعلمنا من الحرب وعلى الأجيال إكمال بناء الدولة (11/5)

يؤكد القيادي الكتائبي، المفكر والمحلل السياسي جوزيف أبو خليل ان اللبنانيين تعلموا بما فيه الكفاية من الحرب، ولا يريدون التقاتل من الجديد، معتبراً ان الصراع على السلطة مشروع، لكن بحسب الأصول الدستورية. وفي حديثه لـ”الأنبـاء”، ضمن ملف “هل تعلمنا من حرب لبنان بعد 25 عاماً على مرورها”، كانت له قراءة عن لبنان بلد الحريات، والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، في صيغة فريدة…

– على مسافة أشهر قليلة من احتفال لبنان بذكرى مرور 25 عاماً على انتهاء الحرب، هل يمكن القول اننا تعلمنا منها دروساً؟

* نعم. تعلم اللبنانيون من هذه الحرب، لأنهم “انقهروا” بما فيه الكفاية، والبرهان على أنهم اتعظوا منها، لا يريدون أن يحاربوا وأن يتقاتلوا فيما بينهم، كما ولا يريدون صراعات داخلية. إن المنافسة على السلطة أمر طبيعي. وبالموازاة، هناك شبه إجماع إن لم يكن إجماعا وطنيا على الحفاظ على الاستقرار، والعلاقة الجيدة بين كل المجموعات اللبنانية التي يتشكل منها لبنان. كما وهناك شبه إجماع على منع العوامل الخارجية من التأثير على بنية البلد. نعم، تعلموا. تعلموا أمراً آخراً ومهماً ألا وهو الاعتراف بالآخر والحق بالإختلاف، ومثل هذا الأمر لم يكن موجوداً في المجتمع قبل الحرب، لغياب الوعي حول هذه المسألة الأساسية، أي الاعتراف بالآخر، والحق بالاختلاف، خصوصاً في بلد مثل لبنان الذي يتشكل من طوائف وجماعات متعددة، دينياً وثقافياً، وحيث لكل جماعة خصائصها وخصوصيتها. لذا، انتجت الحرب بداية اعتراف ما بين هذه الجماعات، ومن ثم الاعتراف بالإنسان، وبحقه في ان يكون مختلفاً، إذ لا إنسان يشبه الآخر، ليس فقط بلباسه، بل بمعتقده وتفكيره ورأيه. وكل ذلك مهم جداً.

– وما الذي لم نتعلمه من الحرب وكان يجب أن نخرج بها؟

* ما لم نتعلمه، وصعب تعلمه هو مفهوم الدولة، لأننا نعيش منذ ما يُقارب الأربعين عاماً حالة  فقدان الدولة بمعناها المؤسساتي. انها غير موجودة. هناك سلطة لكن ليس دولة المؤسسة نتيجة لفقدانها لسيادتها. أما العامل الثاني، وهو مهم، ويتعلق بنشوء جيل كامل في ظروف الحرب، وانقراض جيل كامل. لا يشبهنا أولادنا. وهؤلاء هم جيل عمره بين الأربعين والخمسين سنة. نشأوا في ظروف حرب، وميليشيا وسلاح وتجاوز للقوانين. إن الحياة السياسية والديمقراطية عادات وتقاليد، ليس فقط لدى المواطنين، بل أيضاً لدى ما يسمى السياسيين. وأسمح لنفسي القول انهم ليسوا سياسيون، إنما ميليشياويين. لا أهينهم، بل أقول الواقع، ذلك لأنهم لم يتربوا في بيئة منظمة، وعلى تقاليد وأعراف. لا يعرفون انه لا يجوز اللعب بالدستور وتعديله، وانه لا يجوز ألا تجري الانتخابات النيابية وانتخاب رئيس للجمهورية. نشأؤوا في بيئة لا تدرك كل ذلك. وعندما نتحدث عن الاعتراف بالآخر، والسباق إلى السلطة كحق مشروع يجب ان يعوا ان هناك أصول يجب التقيد بها، وفي مقدمها الأصول القانونية والدستورية. إنهم لا يقبلون ولا يسيرون بكل هذه الأمور، وصعب على المتصارعين اليوم القبول بإجراء انتخابات نيابية مهما كلف الأمر، لانهم لا يريدون ترك السلطة.

– ما يعني ان الصراع على السلطة الذي بدأ خلال الحرب أو ربما قبلها ما زال مستمراً؟

* إن احترام أصول اللعبة السياسية مفقود. لا يجوز ألا  تحصل الانتخابات، وووضع قانون انتخابي. كل ذلك يعتبر من مفاعيل الحرب لأننا عشنا 40 عاماً ونيف من الفلتان على الصعيد الدستوري. ما من شيء دستوري، إنما صراع سياسي، والمسائل السياسية المطروحة غير دستورية. فالدستور لا يسمح بعدم إجراء انتخابات.

– تقول اننا تعلمنا الدرس، فهل ما تعلمناه كاف أم نحتاج للمزيد؟

* المطلوب اليوم ان يقرف المواطن من السياسيين، ومن تجاوز الدستور والأعراف الديمقراطية والسياسية، كما قرفوا السلاح، وليروا الانشقاقات الظاهرة للجميع وعلى الجميع. يفوز النائب مرة أو مرتين بالانتخابات النيابية، ومن ثم تتعطل ، فيفوز بطريقة غير شرعية. المطلوب تكون للمواطن تنشئة على كافة المستويات، بما في ذلك التنشئة الوطنية والسياسية في البيت، وضمن العائلة، وفي المدرسة، والجامعة، والأحزاب والجمعيات والنقابات. علينا بتنشئة وطنية، وسياسية، وتنشئة على الديمقراطية وأصولها. لكن كل هذا غير موجود. نعيش فوضى. يقبلون بتأجيل الانتخابات، ولا يرون في ذلك مصيبة، ولا ينتخبون رئيساً للجمهورية. هناك تطبيع مع الفوضى. لذا، كل تلك الأمور تحتاج إلى وعي، وتربية، على ان تؤدي القوى السياسية دورها. ادعو إلى اعتصام بالطرقات كي تجري الانتخابات إذ لم يعد مقبولاً ما نعيشه اليوم.

– أشرت إلى أن الحرب خرجت بدرس مفاده تقبل الآخر، وفيما مرتقب تعميمها أكثر فأكثر، نشهد ظهور المنحى الطائفي والمذهبي على الساحة . فما تعليقك؟

* لننصف البلد. لبنان موجود في منطقة معادية بالمعنى الفكري. هناك سوريا وإسرائيل والبحر، وبالتالي جميعها معادية للديمقراطية. إن لبنان هو بلد الحريات، ويتأثر دائماً بوضع المنطقة. وما يحصل اليوم فيها يؤثر عليه، كما ما يحصل على حدوده. حتى أوروبا بدأت تتأثر بأحداث المنطقة العربية. إن ما يحصل راهناً، يعطل اللعبة الديمقراطية، لكن لحسن الحظ ان البلد يتمتع بمناعة ذاتية غريبة، وتجربة نجحت نوعاً ما، وهي تجربة التعايش. لم يحصل في التاريخ، ماضياً وحاضراً ان جماعتن دينيتن مسلمة ومسيحية ارتضتا العيش سوية، والتأسيس لأول دولة بالشرق، قائمة على حرية المعتقد، وبأن الدين ليس هو الدولة، أي التأسيس لدولة علمانية بالمعنى الحقيقي، ونجحت نسبياً. والبرهان على ذلك، تمسك اللبنانيين بالحريات وبطريقة غريبة، رغم الخصومات في ما بينهم. تقوم القيامة إذا مست الحريات. من يستطيع إغلاق صحيفة؟ ليس لدينا معتقلات سياسية برغم الفوضى، وهذا خطأ.

– ولكن هذه الحرية ولدت فوضى. الا نحتاج إلى ضبطها؟

* التمسك بالحريات نمط حياة ترعرع عليه اللبنانيون من دون فلسفته، أو حتى فهمه. كل يبدي رأيه. صحيح هناك فوضى. يقول الرئيس سليم الحص “هناك الكثير من الحرية وقليل من الديمقراطية، ويجب العودة إلى حكم القانون لضبط الأمر”. يمكن القول ان تجربة لبنان كبلد حريات نجحت لأنها دخلت بكينونة الشخص مهما كانت طائفته، ومهما كان انتماءه. نجحت تجربة الحرية لأنها بين جماعتين، ولا أحد يفلسفتها لنا. صحيح ان المسيحية تسبق الإسلام بـ600 سنة، والمسيحية تجاوزت الدولة الدينية بعدما كلفت كثيراً، بمقابل ما لدى المسيحيين من قابلية لتخطي الدولة الدينية، فإن الأمر مختلف لدى الإسلام لوجود فوارق. لكن مسلمي لبنان اعتادوا وألفوا الحرية. فالرئيس الحريري مثلاً قال انه مع قانون زواج مدني اختياري. إن مثل هذا الأمر لم يكن يقال ويعلن عنه قبلاً. نشهد زواجاً مختلطاً وبنسب كبيرة، تعقد في قبرص، وتركيا وحتى لبنان، ومعنى ذلك ان الأمر نجح نسبياً. مما لا شك فيه ان التجربة تمر بخلافات، وبتجارب صعبة. ولو كان مشوارها بسيطاً، لما حصل ما حصل. أدت تجربتنا إلى التأسيس لدولة فريدة في الشرق، تشهد محطات من المصاعب، وتتأثر بداخلها ومحيطها المعادي، لكنها تقفز دوما فوق المصاعب، ما يعني اننا لا نتراجع أو نعود إلى الوراء، بل نتقدم ونسير إلى الأمام.

– في ظل ما يحيط لبنان اليوم في صراعات، وما يتخبط به الداخل من مشاكل سياسية وأمنية متصلة بالمحيط، ما المطلوب كي لا تتكرر تجربة الحرب؟

* علينا ببناء وطن. انه عمل أجيال. قام جيلنا بما عليه، مع ما كان لنا من أخطاء، وعلى الجيل الحالي ان يكمل. تطلب من فرنسا لإصدار قرار فصل الدين عن الدولة 200 عام منذ اندلاع الثورة الفرنسية، وهي بلد مسيحي ومتجانس. كل شيء يتطلب وقتاً، وعمل أجيال. نسعى لأن لا تتكرر الحرب، والأكيد انها لن تعود، ولن يقدم عليها أحد. جربناها. وبعد كل التجارب التي مررنا بها، مطلوب إصلاح النظام، وتمثيل ديمقراطي، وتطوير نظامنا السياسي.

————————

(*) إعداد: نضال داوود