الحلم الضائع

وسام القاضي

منذ منتصف القرن الماضي عاش جيل الشباب في معظم دول العالم الثالث، حياة الكفاح والنضال في وجه الأنظمة الحاكمة التي إستبدت بشعوبها، وتأثر ذلك الجيل بالثورات التي حدثت في العديد من الدول، وكان ذلك النضال مرتبط بفكر وبعقيدة ثابتة، محوره العدالة الإنسانية والمساواة والحرية.

وبطبيعة الحال عاش الشباب اللبناني هذه الروح خاصة وأن موقع لبنان هو في خضم الصراع في منطقة الشرق الأوسط وإعتبرت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ومحور الصراع، وبالتالي فإن معظم الحركات الثورية كانت تمر تحت الراية الفلسطينية لتعبر من خلالها إلى النضال الوطني في البلاد.

وكان في المرصاد لتلك الحركات الثورية أنظمة متخلفة في عالمنا العربي، لكن عوضا عن سقوط تلك الأنظمة وصعود أنظمة تعكس الفكر الثوري النضالي، فكانت زمر تصل إلى السلطة لتبطش بكل من حولها لتستفرد بالحكم وتحول نظامها إلى دكتاتوريات، وكانت تحمل في يد الراية الفلسطينية وفي اليد الأخرى خنجر الخيانة. وعليه فقد أجهض مفهوم الثورة وإمتلأت السجون بمعارضي النظام، وتحول الحلم إلى كابوس على صدر الشعب الذي عانى الأمرين من بطش أجهزة الإستخبارات وقمعها.

ومع بداية القرن الحالي وبزوغ فجر الربيع العربي الذي أسقط تلك الأنظمة التوتاليتارية، كان لا بد من إجهاض هذه الثورة الشعبية التي عمت معظم أرجاء الدول العربية، فحركت خلايا للحركات الأصولية، تلك الحركات التي ترعرت وتغذت في ربوع أجهزة المخابرات الغربية، فقوضت مفهوم الثورة الحقيقي، لتعطي إنطباع على أنه لا بديل من حكم الأنظمة التوتاليتارية للبلدان العربية.

الربيع-العربي

وكل ما نشاهده من أعمال بربرية ووحشية قد جرى تنظيمه وتدريبه بإتقان ليعطي هذه الصورة البشعة عن المفهوم الحقيقي للثورة. إذ أن قادة تلك الدول التي تعمها الفوضى حاليا كانت تحكم بالحديد والنار وتستعبد شعوبها خدمة للدوائر الغربية.

أما في لبنان فد عشنا تحطيم مفهوم الثورة منذ العام 1975، حيث كان تفجير الوضع الأمني هو السبيل للإلتفاف على التغيير الديمقراطي الذي كان سيجري في إنتخابات عام 1976 التي كانت مقررة آنذاك. وما شهدته الساحة اللبنانية من كر وفر وحروب متنقلة كان يهدف إلى تغيير الواقع الثوري في لبنان، وتغيرت البوصلة بفعل ذلك فإنكفأ الصراع العقائدي بين اليمين واليسار وتحول إلى صراع مذهبي بين مكونات الشعب اللبناني.

ليس الحلم العربي وحده الذي إنكفأ، بل الحلم الإنساني بحياة مستقرة وهادئة في بلد متطور ومتقدم هو الحلم الذي إنكفأ، وكل تلك الأفكار الثورية والنضالية والإشتراكية أثبتت على أنها كانت حبرا على ورق، فمن ينادي بالديمقراطية يمارس البطش والتسلط، ومن ينادي بالإشتراكية تكون الرأسمالية هي خطه ومسلكه، ومن ينادي بالتغيير والتطور هو الذي كرس الإرتهان والتخلف.

إنها مجموعة تناقضات تغلغلت في الفكر البشري فحولت النضال والثورة إلى فكرة حلم عاشها جيل الشباب، وربما سيأتي يوم يمنع فيه الشباب من حتى الحلم بها. إنه الواقع المأساوي الذي يظلل هذه البقعة من العالم أقله في المدى المنظور. فهل نبكي على الدقائق والساعات التي أمضيناها في ذلك الحلم، أم نضحك لأننا عشنا حلما في واقع ميؤوس من شفائه.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار