لا صحة لعزل شيوخ العقل.. والسلاح خط أحمر

الأنباء ــ محمد العروي
كما كان منتظراً في السويداء، أصدر رجال الدين المحتجون ضد السلطة بياناً مفصلاً، وقعه باسمهم أحد قادة الاحتجاج الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس. ولم يكن بعيداً عن المتوقع في رسائله التي طالت السلطة، كما طالت جوار السويداء ـ لاسيما حوران ـ وبعثت برسائلها الداخلية لأبناء المحافظة في خطاب شامل يدعو إلى وحدة الصف.
مقدمة البيان حملت تكذيباً واضحاً ومفصلاً لما أشاعته أجهزة النظام في الأيام القليلة الماضية حول عزل مشيخة العقل، وما رافقه من بلبلة في الهيئة الدينية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء. وفي الوقت عينه طرحت حركة الاحتجاج فكرة إنشاء مجلس مذهبي لإدارة شؤون الطائفة، وهو الأمر الذي يظهر للعلن للمرة الأولى. وكان قطاع واسع من الهيئة الدينية يطالب منذ عام 1995 بإنشائه، ولكن السلطة في دمشق دأبت على رفض و تمييع هذا المطلب ومحاربته، وربطت الموافقة عليه بمكتب خاص يتبع لرئاسة الجمهورية، ويتولاه بعض مشايخ الطائفة العلوية. وحسب نص البيان : ” نشد على أيادي مشايخ العقل ونرتجي منهم أن يكونوا يدا واحدة، وأن يعملوا على توحيد الصف لمواجهة المحن التي تمر بها طائفتنا ويمر بها وطننا. وندعو الى قيام مجلس مذهبي ينظم شؤون الطائفة، ينتخب مشايخه حسب مرتبتهم الدينية ودون تدخل من غيرهم”، وذلك في إشارة إلى المطالبة بكف يد النظام عن التدخل في الشؤون الدينية لطائفة الموحدين الدروز.

وحول السلاح المنتشر بين المدنيين أكد المحتجون أن ” بيان المشايخ حول سلاحنا المدني لا يمنعنا من المحافظة على سلاحنا لحماية الأرض والعرض، وفق ما أكده لنا مشايخ العقل بعد الحوار معهم “. كما حمل البيان دعوة إلى إشراك جميع أبناء المحافظة من غير المتدينين في التفاعل مع القضايا العامة والإلتفاف حول كلمة واحدة تجمع الصف: ” ندعو جميع ابناء الطائفة الى لم الشمل ووحدة الكلمة ورص الصفوف والتعاون جميعاً بدون تمييز بين روحاني وزمني، لصد كل عدوان على جبلنا الذي تتهده المكائد. وندعو أن لايبقى الحمل على المشايخ وحدهم ولتجمعنا الالفة والمحبة “.

وعرض البيان لموقف المحتجين حول الوضع الراهن، ودعا إلى تحريم الدم السوري، كما رفض بشدة دخول أي شخص من خارج الوطن لقتل أبنائه من أية جهة كانت. وطالب جميع الدول المعنية بالكف عن إرسال مواطنيها بمختلف الأشكال والصنوف (أفراداً ومجموعات وأحزابا ومليشيات) للقتال في سوريا. وفي إشارة خاصة تضمن البيان طرداً مهذباً لوئام وهاب ورفضاً لنفوذه في المحافظة، حيث شمله بين من وصفهم بالذين ” يزيدون فاتورة الدم السوري “.
ووجه البيان رسالة واضحة للنظام تضمنت رفض تسليم السلاح تحت أية ذريعة، واعتبرت أن إقالة رئيس فرع الأمن العسكري ( وفيق ناصر ) من الأولويات على طريق وأد الفتنة التي ينصب النظام فخاخها بين درعا والسويداء. وفي توسع ملحوظ طالب البيان بإعادة جميع أبناء السويداء للخدمة في محافظتهم، واحترام رغبتهم بتجنب الإنخراط في قتل إخوتهم السوريين، كما طالب بوقف مسلسل الإعتقال والتعذيب والقتل الذي يطال المعارضين، في بادرة هي الأولى لإدماج المحتجين من المشايخ الدروز في إطار المعارضة السياسية، وانخراطها في حملة الدفاع عن الحقوق المدنية.

وتابع ليضع محدداً رئيساً لعلاقة السويداء بالجارة درعا : ” وليعلم جميع من تسول له نفسه أذيتنا أن حدود جبلنا الأشم خط أحمر من اقترب منه بسوء سيدفع الثمن غاليا مع العلم بأننا لانقبل بدخول اي مدني الى محافظة درعا ليقاتل فيها، وهذا ما حرمّه الشيخ يوسف جربوع منذ بداية الأحداث “.

وفي معرض ذلك لم يستغرب البيان صدور بيانات مساندة من درعا، لكنه أكد على ضرورة استبدال لغة البيانات بالسعي الجدي لإفشال قتنة الصواريخ التي تؤديها جبهة النصرة في درعا نيابة عن النظام. وكان شرعي جبهة النصرة في درعا ( د. سامي العريدي ) قد نشر بياناً على صفحته يتوعد السويداء بوابل من الصواريخ والعمليات العسكرية بعد يوم واحد من انتفاضة مشايخها ضد النظام. وصدر البيان الثاني للجبهة في 15 / 4 / 2014 ليعطي مهلة خمسة أيام قبل أن تباشر عملياتها التي سماها البيان ( غزوة الثأر لدماء المسلمين ) ، وفي المقابل شكك نشطاء في السويداء بصحة البيان المنسوب للنصرة، في الوقت الذي لم يصدر عن الجبهة أي نفي أو تكذيب.

حتى الآن لا يزال وفيق ناصر رئيساً للمخابرات العسكرية، وذلك حسب مصدر خاص في السويداء، على خلاف ما أعلن النظام عقب مظاهرة عين الزمان. في الوقت الذي بدأت فيه رسائل النظام والنصرة تصل إلى أراضي المدينة عبر صاروخي غراد، سقطا في مناطق غير سكنية. ومن هنا لايزال التوتر سيد المشهد في المحافظة التي تعد من المحافظات الهادئة نسبياً.

ربما يتفق الجميع على وصف السويداء في هذه الأيام، بأنها تقف على صفيح ساخن، وأن جمرها يزداد حمأة تحت رماد البيانات والتصريحات الحكومية. فيما يذهب البعض لتشبيه هذه الأيام بالأيام التي سبقت خروج سلطان الأطرش من السويداء جنوباً لإعلان الثورة.