الثروة النفطية قد توحِّد قبرص، اما في العراق وسوريا ولبنان فتُهدد وحدة الدولة

د.ناصر زيدان

بينما عززت الموارد النفطية التباعد السياسي بين القوى والشرائح الاجتماعية في العراق وفي لبنان وفي سوريا، تتحضَّر الجزيرة القبرصية الى التوحُّد على خلفية اكتشافات النفط والغاز، وقد تُنهي 40 عاماً من الانقسام بين حكومة الجنوب الموالية لليونان والعضوة في الاتحاد الاوروبي، وبين حكومة الشمال التي لاتعترف بها إلاَّ تركيا.

ولقبرص حصة وازنة من مخزون حوض ” ليفانت ” الذي يمتد على مساحاتٍ واسعة تحت مياه شرق البحر الابيض المتوسط، وتتقاطع حدود هذا الحوض في المياه الاقليمية لكل من سوريا ولبنان وقبرص ” واسرائيل “، ويقدِّر الخبراء مخزون هذا الحقل بما يزيد عن 1,7 مليار برميل من النفط، واكثر من 122 ترليون متر مكعب من الغاز.

في العراق ساهم الاستبداد السياسي في عدم اقرار قانون للنفط في البلاد، نظراً للاختلاف الواسع بين القوى السياسية والطائفية على توزيع عائداته، وكيفية تقاسم الحصص بين الاقاليم والحكومة المركزية، خصوصاً ان الثروة في العراق تتواجد في الجنوب “حيث نفوذ القوى الشيعية” وفي الشمال ” حيث السيطرة الكردية المطلقة ” ويضطرب الوسط لأنه يشعر بالحرمان من نعمة العائدات النفطية.

وفي سوريا ، وقَّعت حكومة الاسد عقداً مع الشركات الروسية الحكومية للتنقيب عن نفط وغاز الساحل” حيث نفوذ النظام ” بينما تتصارع جبهة النصرة ” وداعش ” على ابار نفط الوسط في الرقة ودير الزور، ويشتري منهم النظام النفط بالعملة الصعبة.

امَّا في لبنان، فلعلَّ اهم اسباب الازمة الحكومية غير المسبوقة التي تعيشها البلاد منذ اكثر من ثلاثماية يوم، عائدٌ الى التسابق على تولِّي حقيبة الطاقة التي ستُشرف على استخراج كميات النفط والغاز الواعدة من باطن المياه الاقليمية اللبنانية، رغم ان الامر يحتاج الى عدة سنوات لكي تصبح عملية الاستخراج حقيقة ملموسة.

وبينما بدأت دولة الاغتصاب “الاسرائيلية” استخراج الغاز من حقل تامار البحري في نيسان/ابريل 2013، تخلُق سلطات الاحتلال مشكلات متعددة للبنان وللفلسطينيين وللقبارصة في عملية استفادة هؤلاء من الطاقة الدفينة، بسبب اعتداءاتها اليومية، ومن جراء ادعاءاتها الحدودية المزعومة في الشمال والجنوب، وشروطها الوقحة على قبرص، والقاضية بسماح هذه الاخيرة  ” لإسرائيل ” امداد خط لتصدير الغاز عبر قبرص وتركيا وصولاً للآسواق الاوروبية، قبل ان توقع الاتفاق النهائي مع السلطات القبرصية.

في الجزيرة القبرصية المُنقسمة على ذاتها منذ العام 1974، مجموعة من المُشكلات المُتشعِّبة، يتداخل فيها العنصر القومي مع العنصر الديني، وتتصارع حولها قوى دولية واقليمية كبرى، وتُعتبر الجزيرة بالنسبة لتركيا خط دفاع اولي عن امنها القومي، ولذلك دخلت القوات العسكري التركية الى قبرص وفرضت تقسيم الجزيرة قبل اربعة عقود.

تقاطع المصالح الدولية، والمأزق الاقتصادي الذي تعيشه قبرص والذي كاد ان يصل الى  الاعلان عن افلاس الدولة ( الجنوبية ) الموالية لليونان – التي تعيشُ هي ايضاً اوضعاً اقتصادية خانقة – وتأثُّر القسم الشمالي لقبرص ( الموالي لتركيا ) بالازمة المالية، كل ذلك دفع بطرفي النزاع الى الاعلان عن الاستعداد لإجراء مفاوضات لتوحيد الجزيرة، بعد اعتراض تركيا    – التي تحتل عملياً شمال الجزيرة – على عملية التنقيب القبرصية، وتهديدها للسفن التي تقوم بالمهمة بتكليف من سلطات قبرص اليونانية.

الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون اوفد مندوبته ليزا باتنهايم للمساهمة في مساعي التقارب، خصوصاً ان للمنظمة الدولية قوات فصل بين شطري الجزيرة، تُكبِّد المنظمة مصاريف باهضة، وهي تعاني من تزايد المصارفات، وتراجع الواردات.

باتنهايم وصلت الى نيقوسيا، وحضرت اجتماع جرى بين الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس ورئيس القسم الشمالي التركي درويش اروغلو في المنطقة المحايدة من نيقوسيا التي تشرف عليها القوات الاممية، ذلك في 11/2/2014.

البيان الذي صدر عقب الاجتماع التاريخي، حمل مؤشرات ايجابية، تنمُّ عن رغبة جدية بإنهاء الانقسام في الجزيرة، ومجموعة الافكار التي طُرحت كحلول للمعضِلة القديمة تلقى رضى عند الفريقين على وقع الضغوط الاقتصادية ، وانطلاقاً من تطلُّع الفريقين الى الاستفادة من النِعَم الغازية الواعدة، والتي يستحيل استثمارها من دون توافق سياسي بين الجانبين.

طروحات االحل للأزمة تركزت على اقامة دولة قبرصية فيدرالية موحدة، تضمُّ منطقتين، لكلٍ منهما ادارة محلية ذاتية، ولكن اجهزة الدولة تكون موحدة على مستوى المالية والدفاع والخارجية.

هل تكون الاكتشافات النفطية ثروةُ استقدمت للجزيرة القبرصية نعمتين: نعمة المردود المالي الذي يُنقذ البلاد من العجز والفساد وخطر الافلاس، ونعمة الوحدة؟. هذا ما نترقبه في الايام القادمة.