صورة المأساة السورية في شوارع بيروت

د.ناصر زيدان

كيفما تجولت في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، تشاهد هول الكارثة السورية، ومعها تشعر بالخوف على لبنان الذي يئنُّ بالاساس تحت كمٍّ هائل من الضغوطات الاقتصادية والمعيشية والامنية.

المندوبة الاميركية الجديدة في الامم المتحدة الناشطة الحقوقية ساما نتا باور وفي كتابها بعنوان” مشكلة من الجحيم… اميركا وعصر الابادة ” وصفت ما يجري في سوريا بوصمة عار اخلاقية، تتحمل مسؤوليتها الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي، من خلال سياسة الصمت المُخزية التي تتعامل فيها مع حرب الابادة التي يشنها النظام السوري ضد شعبه، وتساءلت: اين تقف اميركا ؟ ولماذا هي مكتوفة الايدي اتجاه ما يجري؟

صرخة سامانتا تصدح في أُذنيكَ عندما تتبرم على طرقات بيروت وازقتها، فترى صور المأساة شاخصةً امامك عند كل منعطف، وعلى جوانب اشارات السير المعطَّلة من جراء انقطاع الكهرباء… اطفال ومعوَّقين حفاة يرتدون الالبسة الممزَّقة، يمدون الايدي طلباً للمساعدة، تتخيل للوهلة الاولى انهم يمتهنون العمل طمعاً بكسبٍ سريع للمال، الى ان تستوقف احدهم وتسأله عن وضعه وعائلته، ومن اي منطقة، ولماذا يمارس مهنة ” الشحاذة ” لتفاجأ بهول الكارثة عندما يحدثك عن مقتل والده واخويه في ريف حمص وبقيَ هو ووالدته حياً مع اخته الصغيرة، وليس لهم مأوى، ولا مَن يأتي اليهم بالطعام.

وعلى الارصفة وتحت الجسور تشاهد كوم الحاجيات الشخصية ، والعجزة والنساء، يفترشون الارض مع الاطفال، وفي اعينهم مسحةُ المٍ تُدمي القلوب، ووراء كل نظرة لأحدهم، او احدهنَ، حكاية مأساة مروِّعة، تخجل من انسانيتك عند سماعها وانت لا تستطيع ان تفعل شيئاً، إلاَّ تقديم ما تيسر مما بقيَّ في جيبك بعد متطلبات نهارٍ طويل. والسمة المشتركة بين كل مَن تراهم الطيبة اليعروبية التي تميَّز بها شعب سوريا منذ القِدم.

وفي شوارع العاصمة المُكتضَّة بالاعمال والنشاط، ترى من بين كل اثنين شابٌ سوري يبحث عن عمل بأي اجر لكي يستر حاله وحال عائلته، والمشهدية ترسم وجهين قاتمين لا تستطيع ان تنظر الى وجهٍ وتتجاهل احقية الوجه الآخر.  فالشاب السوري انسان وله حق بالحياة، وبلده يحترق، وهو هارب من الموت. اما وجه الشباب اللبناني ، فهو ايضاً يبحث عن عمل عطلت الحرب السورية عليه سمةُ الازدهار والاستثمار، واوقعت تداعياتها السياسية والامنية ركوداً واسعاً على مختلف القطاعات، وما تبقى من نشاط اقتصادي، بالكاد يكفي اللبنانيينن .

اكثر من مليون واربعماية الف مواطن سوري يتواجدون على الاراضي اللبنانية، منهم مَن لايستطيع لبنان الاستغناء عنهم، لحاجته الماسة اليهم في قطاع البناء والزراعة. ومنهم اعداد كبيرة من النازحين من حرب الابادة التي يشنها النظام، ووراء كل عائلة منهم قصة دراما تحترق لها القلوب الحية.

تشعر الهيئات الحكومية التي تعنى بالنازحين – خصوصاً وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية – ان المسؤولية اكبر بكثير من امكانياتهم، والتقديمات التي وصلت حتى اليوم لاتكفي لرعاية شؤون الاعداد الكبيرة. والامم المتحدة التي تتابع متطلبات هؤلاء ليس لديها القدرة على الاحاطة بمشاكلهم. لقد تمَّ تسجيل اكثر من 644 الف سوري حتى اليوم في سجلات النازحين، وهناك اعداد اضافية لم تُسجل، لأن المناطق التي يتواجدون فيها ، ليس فيها مكاتب للهيئة الدولية.

من الخطأ النظر الى حاجات النازحين انها وجبات افطار، او حصة غذائية فقط، فالامر يحتاج الى مقاربة مختلفة تأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الصحية والاجتماعية والسكن والتنقل والحماية من الاستهداف، ومن الاستغلال، اضافة الى الانعكاسات الامنية لوجود هؤلاء النازحين لناحية مضاعفة مهمات القوة الامنية، لحمايتهم، ومراقبة تجاوزاتهم – اذا حصلت – في آنٍ واحد.

والماساة السورية هشَّمت الحياة السياسية اللبنانية، ولم يسبق ان تباعدت الاطراف اللبنانية عن بعضها البعض كما هو حاصل اليوم، ومعظم ذلك على خلفية تباين الاراء حول الاحداث في سوريا، لاسيما بعد انغماس حزب الله في الحرب الدامية هناك الى جانب النظام، والمشاركة الفردية العشوائية للبعض الى جانب المعارضة.

عندما ترى المأساة في عيون السوريين النازحين الى لبنان، تتخيل حجم الكارثة الانسانية التي تحصل في سوريا، وما يرافقها من جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، وجرائم ابادة ، خلَّفت اكثر من مئة الف قتيل، ودمَّرت القرى والمدن السورية وبعض معالمها الاثرية.  وبصرف النظر عما يتناوله الاعلام، تبقى القضية الاساس هي تحرر الشعب السوري من النظام الاستبدادي العسكري الجاثم على صدور السوريين منذ اكثر من 40 عاماً، والانتفاضة الشعبية التي انطلقت من درعا في 15 آذار 2011، كانت سلمية، واستمرَّت هكذا حوالي العام، ولكن تمادي النظام في الارتكابات الجرمية ضد المواطنيينن ، اجبر المنتفضين على الدفاع عن النفس بقوة السلاح.

مأساة الشعب السوري التي تظهر بإحدى صورها القاسية في شوارع بيروت، يتحمل جزء اساسي منها المجتمع الدولي، والولايات المتحدة الاميركية على وجه التحديد، ولا احد يُصدِّق ان هؤلاء غير قادرين على انهاء المأساة اذا ما توفرت الارادة في ذلك؟