أي رؤية اقتصادية لكمال جنبلاط؟ / د. يحي خميس

 خمسة وثلاثون عاماً مرت على ذاك اليوم الذي تحدى فيه الدم رصاص الغدر والظلم والتوحش، يومها قتلوا كمال جنبلاط، لأنه أرعبهم، خافوا من مشروعه في الحرية والديمقراطية والعدالة، خافوا من انتقال عدواه إلى سجنهم الكبير فقرروا التخلص منه وظنوا أنهم نجوا إلى الأبد، فاتهم أن هذا الوباء الجميل الذي اسمه الحرية لا حدود له، لا في الزمان ولا في المكان.

     فمنذ عام نعيش في هذا العالم العربي أملاً ورجاءً، لأن الشعوب المظلومة استطاعت أخيراً أن تتغلب على خوفها من جلادها، فانتفضت باسم لقمة العيش، وإرادة العمل، ونزعة الحرية، وحق التفكير والتعبير، واختيار ممثليها، ضمن شرعة التنوع والتعدد وتداول السلطة.

    إنها معادلة الرغيف مع الحرية، معادلة العيش الكريم مع الحياة العزيزة العامرة، معادلة الاقتصاد مع السياسة. توق إلى ديمقراطية جديدة بأركانها الثلاثة وعلاقاتهم الجدلية أي الديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي الصيغة التي قدمها كمال جنبلاط لحياة الإنسان  والمجتمع.

    قد تختلط في أذهاننا مجموعة من صور القائد المعلم، نحتار من أي جهة ننظر إليه، وعن أي جانب من جوانب شخصيته نتحدث، وعند أية ميزة من ميزات فكره نتوقف؛ وكأننا أمام رجال في رجل وتنوع متكامل في واحد غني.

     وعندما نستجمع ما نعرف عنه، ندرك أننا لن نستطيع فهمه إلا بعين عقل جامع لهذه الشخصية الإنسانية الإستثنائية في تاريخ هذا الشرق.

ففي كمال جنبلاط يلتقي الفيلسوف الحكيم والسياسي الأخلاقي والشاعر المتصوف، والمؤمن العرفاني والثائر المتحرر والاقتصادي الإنساني، وعندما نتناول جانباً معيناً من شخصيته فإنما فقط لتبسيط البحث، الذي لا يكتمل إلا مع الجوانب كلها. فالحديث عن الرؤية الإقتصادية لكمال جنبلاط، لا يتم دون الوقوف، ولو بإختصار، عند المفاصل الأساسية التي تجتمع في الفكر التقدمي الاشتراكي، والذي اعتبره وجهة نظر في الحياة على إطلاقها، وفي الوقت نفسه فكراً تطورياً ـ ثورياً:

المفصل الأول:  الإيمان المطلق بالتطور وتحديد اتجاهاته الأساسية المتمثلة بتيار الوعي والحرية وتياري التجمع البشري والتكور الإنساني.

المفصل الثاني:  وحدة الوجود، حيث لا نظرة آحادية الجانب إلى الكون والطبيعة والإنسان، وحيث لا أولوية للمادة على الطاقة أو للجسد على الروح.

المفصل الثالث: نظرة شاملة إلى الجدلية كفلسفة تنطلق دائماً من الواقع وتعود إليه، واعتماد المنهجية الجدلية في تحليل سائر الظواهر الطبيعية والاجتماعية والإنسانية.

المفصل الرابع:   تبني نتاج العلم والإختبار الإنساني والتجربة البشرية منذ وجودها.

المفصل الخامس: مفهوم جديد للديمقراطية يوحد بين أقانيمها الثلاثة وتكاملها وهي   الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

المفصل السادس : اعتبار الإنسان، هذا الكائن الأسمى والأرقى ـ في خاتمة الدوحة التطورية النباتية الحيوانية ـ الهدف والغاية لكل عمل ونشاط بشريين. وهذه النظرة إلى الإنسان هي المرتكز الأول لرؤية كمال جنبلاط الاجتماعية ـ الاقتصادية، وتباين اشتراكيته الإنسانية عما سبقها من نظريات اشتراكية.

     فإذا كانت التقدمية من جهة موقفاً فلسفياً علمياً، فهي من الجهة الثانية موقف سياسي ـ اجتماعي ـ ثقافي شامل، يجد في الإشتراكية العلمية الإنسانية ترجمته الاقتصادية الصحيحة.

   إشتراكية كمال جنبلاط تتنوع مصادرها لكنها تتكامل عنده، تبدأ جذورها من أفلاطون وأرسطو وسواهم و تعود إلى الظاهرة الروحية من البوذية إلى المسيحية والإسلام، وفي هذا يقول “ولدت الديانات وهي تحمل الإشتراكية في بذورها”. إلا أنه يلاحظ في الوقت نفسه تراجع بذور الإشتراكية الدينية بوجهيها الأسيوي والأوروبي، خاصة حين تحولت المسيحية في البيزنطية إلى طقس لخدمة الأمير وديناً للدولة.

     ولقد عرف التاريخ أشكالاً متعددة وأنماطاً متنوعة من الأفكار الإشتراكية، من أقدمها ما طرحه توماس مور في كتابه Otopie، ما عرف بالإشتراكية الطوباوية أو الخيالية، والتي تقوم على نقد المجتمع الرأسمالي وتبيان عيوب الإستغلال، مرتكزة على مفاهيم المسيحية الأولى في الأخوة والعدالة، ولكنها تطرح تصورات مثالية. ومع مرور الزمن وتعاقب المفكرين أخذت هذه الإشتراكية تتطور، لتقترب مع بعضهم من الماركسية، قبل أن تولد، حيث أن الفرنسيان مونبلي Monpli وموريللي Morelli قد طرحوا برنامجاً عملياً واقعياً للمساواة المطلقة بين جميع أفراد المجتمع، وحقهم في العمل حتى أنهم دعوا الفلاحين للثورة على رجال الإقطاع وتغيير النظام القائم.

    ثم كانت الثورة الفرنسية، فحولت أفكار الإشتراكيين الخياليين ومنهم روسو إلى أفكار ثورية، فطرحت مسألة الملكية والعمل وقطاعات الإقتصاد، بالإضافة إلى تعاليمها الشهيرة في الأخوة والعدالة والمساواة، إلا أن مساواتها كانت مساواة حسابية لا تأخذ بالإعتبار اختلاف قدرات البشر وإمكانياتهم.

    ومع بدايات القرن التاسع عشر، خطت الإشتراكية خطوات كبيرة مع سان سيمون وفوريه وأوين الذين ثبتوا طرحاً متقدماً في نقد الأفكار القائمة: حيث بينوا فوضوية الإنتاج في المجتمع الرأسمالي، وتعارض الملكية الخاصة مع المصالح العامة، وزيف الكلام عن حقوق الإنسان دون تأمين حقه في العمل. وانتقدوا كذلك مبدأ المساواة الحسابية من خلال طرحهم لمبدأ “لكل حسب إمكانيته ونشاطه”.

     لقد كانت هذه الاشتراكية احدى أهم المصادر التي اعتمد عليها ماركس وأنجلس في صياغتهم للماركسية، بالرغم من النقد الكبير الذي وجهاه لها، حيث اعتبراها اشتراكية مثالية لا يمكن تطبيقها نتيجة تنكرها للمادية التاريخية، وعدم اعتمادها على صراع الطبقات، الذي سيؤدي بنظرهم إلى تغيير النظام الاقتصادي واستبدال الرأسمالية بالاشتراكية.

        إلا أن الماركسية والتي شكلت بدورها أحد مصادر الفكر الاقتصادي لكمال جنبلاط، وبالرغم من إسهامها الجبار في طرح الجانب الاقتصادي للتطور البشري، لكنها لم تتمكن من تجاوز آحادية هذا الجانب مستثنية بذلك أو مقللة من أهمية الجوانب الأخرى الفاعلة في حياة الإنسان والمجتمع.

        ولأن الفوارق بين اشتراكية كمال جنبلاط والماركسية كثيرة وتتطلب تفصيلاً ووقتاً، وهو غير متاح في هذا العرض، فسنتوقف أمام بعض العناوين الأساسية في المفهوم التقدمي للإقتصاد الإشتراكي.

        يقول كمال جنبلاط “مع الماركسية اهتز رقاص التاريخ وانحرف، وإن الوقت قد حان ليعود هذا الرقاص إلى مكانه ولتنبعث إشتراكية جديدة مستأصلة من عيوبها المادية، وهي عيوب أدت إلى تحويل الاشتراكية أحياناً إلى أداة بشعة للإستغلال الإنساني وللتعذيب المعنوي”.

    اشتراكية كمال جنبلاط هي حركة عقلانية Rationale  أكثر مما هي محض عاطفية، أي أنها تحاول دائماً أن ترى الأشياء كما هي، وأن تلتقط تخطيط تطورها الممكن من خلال درس الوقائع التاريخية، الاجتماعية والاقتصادية، وبذلك ترسم على الأقل المرحلة المقبلة لما يجب أن يحققه هذا التطور. وفي هذا الجانب تختلف الإشتراكية التقدمية عن المعتقدات المتحجرة والوصفات المعلبة، التي تحاول وضع شعارات جاهزة تناسب كل الأزمنة والأمكنة غير آبهة لمجرى التطور وخصوصيات الزمان والمكان والواقع.

      اشتراكية كمال جنبلاط، ملازمة للتقدمية، ملتصقة بها، اشتراكية تجد في التجربة البشرية جذوراً، وفي الإنسان هدفاً، اشتراكية اختبارية لا مختبرية، تجعل من الديمقراطية مسلكاً ومن الجدلية منهجاًً ومن مجتمع الكفاية والعدل مجالاً حيوياً لإنصهار الإنسان، اشتراكية تتخطى ما سبقها، تتجاوزها وتستكملها، اشتراكية أكثر إنسانية. ومصطلح أكثر إنسانية، هو مصطلح جنبلاطي بإمتياز.

  إن النظرية الاقتصادية هذه تتحقق من خلال مجموعة من الأمور والنشاطات وأبرزها:

 1  ـ   التخطيط الشامل أي اعتماد سياسة في الاقتصاد والمال تصميمية، تخطيطية.

 2 ـ العمل حق وواجب، هو شرعة الحياة البشرية ونبالتها وهو الشرط   الجوهري لإمكانية الإنتاج، فمن يقدر ولا يعمل لا يحق له أن يأكل.

3  ـ   تشجيع المبادرة الشخصية وروح الإقدام على العمل والابتكار في العلوم والفنون والتقنية.

4  ـ  توجيه الإنتاج، بما يكفل تلبية حاجات الإنسان وليس لأجل جني الأرباح  والمنافع.

5  ـ   توزيع صحيح للمتلكات والإنتاج.

6 ـ   اعتماد نظام جديد للملكية يأخذ بعين الإعتبار تنوع الأنماط والحفاظ على المبادرة والمساواة العضوية ويرتكز على:

أ ـ  ضرورة إنهاء حالة إستغلال الإنسان للإنسان، وإلغاء الطفيليات الإقتصادية والمالية وهذا يقود إلى أهمية التملك العمومي لوسائل الإنتاج والمؤسسات التي لها صفة عمومية وتأثير فعال، خاصة في اقتصاديات البلاد أو في حياتها الاجتماعية والسياسية.

ب ـ اعتبار التملك، في هذه المرحلة من تطور الجماعة البشرية، مصدراً لطمأنينة الفرد وحريته واستقراره وبقاء الأسرة وعامل إنتاج وحافزاً للمبادرة الفردية، على ألا تكون علة تجميد أو تعقيم للثروة ولا أداة للطفيلية الاجتماعية والكسل، ولا عامل سلطة أو وسيلة ضغط وأن لا تتعارض مع مقتضيات التملك العمومي. وهذا يقود إلى ضرورة استمرار نظام الملكية الخاصة في الكثير من القطاعات.

ج ـ حفظ الكيان الاقتصادي والاجتماعي للفرد والجماعة. وتنمية روح التعاون والتعاضد بين أفراد المجتمع الواحد، والذي يشكل كلاً عضوياً حيويته في تنوعه، وهذا يؤدي إلى أهمية اعتماد النظام التعاوني بشكل واسع حيث يمكن في مختلف فروع الإنتاج والإستهلاك، لأن النظام التعاوني هو أحد الأنظمة النادرة التي توفق بين حرية المواطن وحاجات الجماعة.

      لقد كان من الصعب على كمال جنبلاط تحقيق رؤيته الاقتصادية ـ الاجتماعية ضمن نظام طائفي متخلف جعل من اللبنانيين جمهوراً من أصناف مختلفة، بدل أن يكون نطاقاً ديمقراطياً علمانياً يشكل اللبنانيون فيه شعباً واحداً موحداً على أساس مبدأ المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص.

      رغم ذلك فإنه تمّكن ومن خلال نضاله السياسي، في الحكم وفي المعارضة، أن يحقق الكثير من المكاسب والحقوق للعمال والطلاب والفقراء، إنطلاقاً من رؤيته لواجب الدولة ومؤسساتها في خدمة مواطنيها. وهي مكتسبات متنوعة انتزعها في صراع مرير مع قوى الفساد والاحتكار والتمييز الاجتماعي، ولعل أبرزها الضمان الصحي الذي طرحه عام 1952 وصولاً الى إنشاء الضمان الاجتماعي، وتأسيس الجامعة اللبنانية ومجلس الخدمة المدنية إلى جانب الرئيس فؤاد شهاب وتعميم الثانويات والمهنيات الرسمية في مختلف المناطق اللبنانية والتركيز على دور وزارة التصميم والتخطيط، والتي ألغيت فيما بعد، وتفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش، وغيرها الكثير من الانجازات والاصلاحات التي تبناها كمال جنبلاط وناضل مع حزبه لتحقيقها، مؤكداً في الوقت نفسه عام 1960 وفي أول اشتراك في الحكم : “إن الحزب التقدمي الاشتراكي، ليس جمعية خيرية للإصلاح الاجتماعي، وإنما هو حركة ثورية أصيلة”.

    ويبقى السؤال الأهم، ونحن قد دخلنا في الألفية الثالثة من التاريخ، وهو مدى موافقة أفكار كمال جنبلاط الاقتصادية في المجتمعات البشرية المعاصرة وخاصة فيما سمي بعصر العولمة ومستتبعاته.

تتطلب الإجابة المزيد من البحث والوقت، ولكن فلنختصر بوضع السمات الأساسية للمجتمعات المعاصرة بعد إنحسار الأفكار الإشتراكية وسقوط معظم أنظمتها الماركسية:

أ    ـ    زيادة البطالة وانخفاض الأجور وتدهور مستويات المعيشة.

ب  ـ     تقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة.

ج ـ     إطلاق آليات اقتصاد سوق متفلت وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط     الاقتصادي.

د  ـ      تحول الدولة من إطار جامع يحمي المواطن وحقه ومكتسباته إلى حارس للنظام القائم داخلياً، وخلق نظام جديد عالمياً.

هـ ـ   تفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين.

     هذه الأمور ستؤدي حسب بعض الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين إلى فرز خطير لسكان الأرض، بين نسبة صغيرة لن تتجاوز الـ 20% القادرين على العمل والحصول على الدخل والعيش الكريم، بينما ستقبع النسبة الأكبر أي 80% في حالة من الفقر والبؤس ولن يتمكنوا من العيش إلا من خلال الإحسان والتبرعات.

هذا الكلام الذي يطرح اليوم كان قد طرحه كمال جنبلاط وتخوف من حصوله منذ ما يقارب الـ 50 عاماً عندما دعا إلى إنقاذ البشرية مما يقدم إليها، دائماً وأبداً، في سوق البيع والشراء، وكأن الإنسان قد “أضحى آلة تتحرك أو تدفع وتستثار لأجل الإستهلاك. هذا ما يحصل بالنسبة لفريق من الناس، بينما يقبع نصف المواطنين أو أزيد أو أقل في حال من البؤس والشقاء والتخلف”.

إن ما نشهده اليوم من “ديكتاتورية للسوق”” و “أممية لرأس المال” يزيد العالم انقساماً، وبشكلٍ فاضح، إلى قسمين متناقضين اقتصادياً واجتماعياً. فمن جهة ونتيجةً لثورة الاتصالات والأنترنيت والأقمار الصناعية وارتباط أصحاب رؤوس الأموال والصناعة وانصهار اقتصادياتهم، أصبح العالم قرية اقتصادية كبيرة تحركها أهداف السوق التي يتوخاها أصحابه، أما من حهة ثانية فقد تحول القسم الأكبر من العالم إلى مجموعات من الجزر الصغيرة وأحزمة البؤس والفقر. إن خطورة ما تعززه الرأسمالية الجديدة من جراء هذا التطور الفوضوي تكمن في إنعدام ضوابط الدولة على الصعيد المحلي، وضعف هذه الضوابط وهشاشتها على الصعيد الاقتصادي العالمي، حيث سيكون العالم في أيدٍ قد لا تكون مسؤولة إلا عن رغبتها في المزيد من المال والثراء. وهذا ما دفع المدير السابق لشركة فيات الايطالية أومبرتو أمبللي للقول: “حينما تبلغ التكاليف الاجتماعية للتكيف مع السوق العالمية الجديدة حداً لا يطاق ستزدهر عقلية الانكفاء على الذات في مختلف دول العالم”.

    إضافة لذلك، فإن الانفلاش الاقتصادي والمالي وتحرير الأسواق العشوائي وتفلت الإدارة النقدية يؤدي إلى عجز القوى النقدية المحلية لأي دولة (البنك المركزي مثلاً) عن التحكم في تسيير العمل المصرفي والنظم النقدية داخلها. مما يفاقم من حدة الأزمات الاقتصادية والمالية، كالتي شهدها العالم وما زلنا نشهدها في السنوات الأخيرة.

     أمام ما تقدم، بدأنا نلحظ عودة لتدخل السلطات المحلية اقتصادياً ونقدياً في محاولات لتجاوز أزماتها المدمرة عبر توجيه وخطط وبرامج، وأعادت الكثير من الحكومات الدور الاجتماعي للدولة، الذي ركز عليه كمال جنبلاط وما زال الحزب التقدمي الاشتراكي يتبناه حتى يومنا في نضاله المستمر، فالإطار الصحيح الذي يمكنه إنقاذ البشرية من براثن الإستبداد والفقر والبطالة هو ما طرحه كمال جنبلاط في مفهومه لمجتمع الكفاية والعدل والذي يرتكز أساساً على توجيه الاقتصاد إلى الغايات الاجتماعية التي لأجلها يقوم المجتمع وإلى تحقيقها يسعى.

فما هو مبرر وجود الدولة الديمقراطية إذا تخلت عن دورها الرعائي في حقول التعليم والطبابة والتكافل الاجتماعي، وعن دورها في تأمين العدالة وفي مقدمها تكافؤ الفرص وعدالة الضرائب وتوازن الانماء.

هل في مصلحة المجتمع اللبناني، ونحن نتغنى كل يوم بالوحدة الوطنية، أن تتولى مؤسسات الطوائف التعليم والطبابة ويشاركها في المهمة مؤسسات تبغي الربح، فتتحول المعارف والصحة معها إلى سلعة تباع وتشرى.

للدولة وظيفة إجتماعية أساسية، إذا تخلت عنها تحولت إلى دولة بوليسية تحمي مصالح الأثرياء والشركات الكبرى. نحن نقول إن على دولة الرعاية واجب إعادة توزيع الثروة عبر نظام ضرائبي عادل وضمان إجتماعي فاعل وسياسات دعم لقطاعات وفئات مهمشة.

في شباط عام 2003 وفي مؤتمر خاص عن الوظيفة الاجتماعية للدولة تساءل الرئيس وليد جنبلاط: ” كيف نعيد للاقتصاد كرامته عبر حماية الدولة له، وبالتالي كيف نعطي اللبناني دوراً أو أدواراً إنتاجية حقيقية، وكيف نحافظ على القطاع العام تربوياً وصحياً واجتماعياً، وامبراطوريات الخصخصة المحلية جاهزة للانقضاض كالذئاب الكاسرة في نظام يشابه نظام المقاطعجية من قرون، لكن بوسائل أخرى”.

في الختام نقول مع كمال جنبلاط “إن الاشتراكية لا يمكن أن تعيش إلا في أجواء الحرية”.


[1] مفوض الداخلية في الحزب التقدمي الاشتراكي، ألقيت الكلمة في الجامعة اللبنانية- عاليه في نيسان 2012

*نشرت في العدد 17 من الفكر التقدمي‏