هل تندلع المواجهات النووية على خلفية الازمة الكورية؟

د.ناصر زيدان

خصص البابا فرسيس الجزء الاساسي من خطبته امام المؤمنين المحتفلين بعيد القيامة في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان للوضع المُستجد في كوريا، ودعى الى حل ديلوماسي للأزمة، بعد ان بلغ التوتر مستوىً غير مسبوق، وهو ينذر بإندلاع مواجهات قاسية، قد يتم استخدام الاسلحة النووية فيها، وفقاً للتهديد الذي اطلقه الرئيس الكوري الشمالي الشاب كون جونغ اون، واستناداً للقرار الذي اتخذته اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري الحاكم، وانطلاقاً من امر العمليات الذي اصدرته قيادة الجيش في كوريا الشمالية، القاضي بوضع الوحدات الصاروخية الاستراتيجية في حالة جهوزية، وهذه الصواريخ قادرة على الوصول الى الاراضي الاميركية، لاسيما منها صواريخ” تودونغ” و”موسدان” التي يصل مداها الى اكثر من 11 الف كلم.

الولايات المتحدة الاميركية قامت بخطوات عسكرية غي مسبوقة، فارسلت قاذفات ” بي 2″ في مهمة تدريبية فوق اراضي كوريا الجنوبية. وهذه القاذفات تتجاوز بأهميتها القاذفات الاستراتيجية” بي 52″ التي أُرسلت الاسبوع الماضي، والقاذفات بي 2 هي الاكثر تطوراً في السلاح الاميركي، وقادرة على التخفي عن الرادارات، وتستطيع ضرب اهداف عن علو 15 كلم، وتحمل 18 طن من الاسلحة، منها اسلحة نووية، تقليدية وتكتية، ولديها قدرة على اعتراض الصواريخ العابرة للقارات، وهي تطير لمسافة 11الف كلم من دون الحاجةللتزوّد بالوقود.

روسيا والصين الحليفتين لنظام بيونغ يانغ الشيوعي، دعتا لضبط النفس وتجنُب الاستفزازات، وعدم الدخول في مواجهات عسكرية قد تجر المنطقة والعالم الى ويلات لا تُحمد عواقبها، واكدتا على اهمية الاكتفاء بالعقوبات التي قررها مجلس الامن ضد بيونغ يانغ، على اثر التفجير النووي التي اجرته تحت الارض في شباط 2013، كما طالبتا  المسؤولين في كوريا الشمالية وقف التهديدات، خصوصاً منها التي تتحدث عن امكانية استخدام السلاح النووي ضد اهداف اميركية.

رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون هون دعت كوريا الشمالية الى إطعام شعبها الجائع والتخلي عن التجارب النووية وعن التهديدات العسكرية، الامر الذي اعتبرته بيونغ يانغ استفزازاً وتحقيراً بكرامة الشعب الكوري في الشمال، وردت بالاعلان عن وقف العمل بالهدنة الموقعة بين البلدين منذ العام 1953. كما قطعت الخط الساخن الذي يربطها بسيول، والذي يُستخدم في اوقات الازمات، لاسيما في معالجة اية اشكالات قد تقع في المجمع الصناعي المشترك” كايسونغ”.

والمجمع كايسونغ  الذي لايبعد اكثر من 10كلم عن حدود كوريا الشمالية،تعمل فيه 123 شركة كورية جنوبية في التصنيع منذ 1984، ويُشغِّل مايزيد عن 50 الف عامل من كوريا الشمالية، ويدُر على اقتصادها 2 مليار دولار في السنة، في الوقت الذي تعاني فيه بيونغ يانغ من صعوبات اقتصادية واسعة، قالت الامم المتحدة انها وصلت الى حدود غير مقبولة، بحيث ان ثلثي الشعب الكوري في الشمال والبالغ عدده 24 مليون نسمة يعاني من نقص التغذية، ودائماً وفقاً لتقديرات الامم المتحدة.

طبول الحرب تُقرع في شمال كوريا، فالمظاهرات المؤيدة للجيش انطلقت في معظم مدن البلاد، و حالة التعبئة تتوسع في شحذ الهمم ورفع المعنويات في كل وسائل الاعلام التي تصف السلاح النووي بأنه ” حياة الامة “. وهذا الامر لم يحصل بذات الوتيرة المرتفعة منذ احتدام الخلاف بين الفريقين على اثر انسحاب بيونغ يانغ من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية عام 2003، وبرغم المناورات السنوية التي تُجريها القوات الاميركية مع حليفتها القوات الكورية الجنوبية في المنطقة.

واشنطن التي ادارت اهتمامها نحو منطقة شرق آسيا تاركةً الشرق الاوسط وهمومه، تواجه اليوم تحديات لاتقِلُّ صعوبة في شبه الجزيرة الكورية، التي قد تصل الى حد إندلاع مواجهات نووية بدأت تُثير الهلع عند سكان اقصى الغرب الاميركي، برغم قدرات الردع الهائلة التي تملكها الآلة العسكرية الاميركية. وقد تُعيد التوتر في علاقاتها مع روسيا والصين.